وعن ابْنِ سُرَيْجٍ -رحمه الله- أنه إِذَا بَلَغَ ووقت الوُقُوفَ بَاقٍ يُجْزِئُهُ عن حَجَّةِ الإسْلاَم وإن لم يعد إلى الموقف، وإن بلغ قبل الوقوف أو بلغ وهو واقف وقعت حجته عن حَجَّةِ الإسْلاَم، خلافاً لمالك حيث شرط فيه وقوع جميع الحَجِّ في حالة التكليف ولأبي حنيفة فإنهَ لا يعتد بإحرام الصَّبِي على مَا سُبَقَ. وهل يجب إعادة السَّعْي لو كان قَدْ سَعَى عُقَيْبَ طَوَافِ القُدُومِ قبل البلوغ؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا، ولا بأس بتقدم السَّعْي كتقدم الإحْرَام.
وأصحهما: نعم، لوقوعه في حالة النقص، ويخالف الإحْرَام فإنه مُسْتَدَامٌ بعد البُلوغِ والسَّعْي، لاستدامته له، وقد بنوا الوجهين على أنه إذا وقع عن حجَّةِ الإسْلاَم كيف تقديراً إحرامه أنقول بأنه يتعين انعقاده في الأصل فرضاً، أو نقول بأنه انقعد نفلاً ثم انقلب فرضاً؟ فإن قلنا: بالأول فلا حَاجَةٍ إِلى الإعَادَةِ، وإن قلنا: بالثاني فَلاَ بُدَّ منها وإِذَا وَقَعَ حَجُّه عَنْ حَجَّةِ الإِسْلاَمِ فهل يلزمه دم؟ فيه طريقان:
أظهرهما: وهو المذكور في الكِتَابِ أنه على قولين:
أحدهما: نعم؛ لأن إحْرَام مِنَ المِيقَاتِ نَاقِصٌ لأنه ليس بفرضٍ.
وأصحهما: لا؛ لأنه أَتى بما فِي وُسْعِهِ، ولم تصدر منه إساءَةٌ.
وبنى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَبْرُهُ القولين على الأَصْلِ المذكور: إن قلنا، بالتعيين فلا دم عليه، وإن قلنا بانعقاده نفلاً لزم.
والطريق الثاني: القطع بأنه لاَ دَمَ عليه، وبه قال الإصْطَخْرِيُّ وَابْنُ سَلَمَة، وهذا الخلاف فيما إذا لم يَعُدْ بعَدَ البلوغِ إلى الميقَاتِ، فإن عاد إليه لم يلزمه الدَّمُ بِحَالٍ؛ لأنه أتى بالممكن أولاً وآخراً، وبذل ما في وسعه، وفيه وجه بعيد.
والطَّواف في العمرة كالوقوف في الحَجِّ، فلو بلغ قبله أجزأته عمرتُه عن عمرةِ الإسْلاَمِ. وعتق العبد في أثناء الحَجِّ والعمرة كبلوغ الصَّبِيِّ في أثنائهما.
ولو أن ذِمِّياً أتى الميقات مريداً للنسك فأحرم منه لم ينعقد إحرامه؛ لأنه ليس أهلاً لَلعبادات البَدَنِية، فإن أسلم قبل فوات الوُقوفِ ولزمه الحَجُّ فله أن يَحُجَّ مِنْ سنته، وأن يؤخر فإن الحَجَّ على التَّرَاخِي، فإن حَجَّ من سنته فعاد إلى المِيقَاتِ فأحرم منه أو أحرم من موضعه وعاد إِلْيهِ محرماً فلا شَيْءَ عليه، وإن لم يعد لَزِمَهُ الدَّمُ، كالمسلم إذا جاوَزَهُ عَلَى قَصْدِ النُّسُكِ، ولا يجئ فيه الخلاف المذكور في الصَّبِي إذا وقعت حَجَّتُهُ عَنْ حَجَّةِ الإسلام؛ لأنه حين مر بالميقات كان بسبيل من أن يسلم ويحرم بخلاف الصبي.
وقال أبو حنيفة رحمه الله والمُزَنِي: لا دم عليه، وعن أحمد روايتان:
المسألة الأخرى: ذكرنا الخلاف في وجوب الفِدية إِذَا بَاشَرَ الصبي محظوراً وأنها إِذَا وجبت على من تجب.