للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- "احْتَجَمَ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ" (١). وأيضاً فلو وضع يده على رأسه لم يضر، وسواء ثبت الخِلاَف أَمْ لاَ، فظاهر المَذْهَبِ أنه لاَ فَدْيَة.

ولو طَيَّن رَأسه ففي وجوب الفدية وجهان، كالوجهين فيما إذا صَلَى بالطِّين عَوْرَتَهُ وَصَلَّى هَلْ يجزئه. والمذهب هَاهنا وجوب الفدية، وفي تلك الصورة صِحَّة الصَّلاة لوجود السَّتْرِ والتغطية، وهذا إذا كان ثَخِيناً سَاتِراً أما المائع الذي لا يَسْتُر فلا عبرة به، وعلى هذا التفصيل حكم الحِنَّاء والمَرَاهِمِ ونحوها.

الفصل الثاني

في القدر الذي يقتضي سَتْرُهُ الفِديَة، ولا يشترط لوجوب الفدية استيعاب الرأس بالسَّتْرِ كما لا يشترط فِي فِدْيَةِ الحَلْقِ الاستيعاب، بل تجب الفدية بِسَتْرِ بَعْضِ الرَّأسِ، وضبطه أن يكون المستور قدراً يقصد ستره لَغَرَضٍ من الأغراض كَشَدِّ عِصَابَةٍ، وإلْصَاقِ لُصُوق لِشَجَّةٍ ونحوها، هكذا ضبطه المصنف والإمام، فقد نَفَلاَ وغيرهما أنه لو شَدَّ خيطاً على رأسه لم يَضُر، ولم تجب الفدية؛ لأن ذلك لا يمنع من تَسْمِيَتِهِ حَاسِرَ الرَّأسِ، وهذا ينقض الضابط المذكور؛ لأن ستر المقدار الذي يحويه شد هذا الخيط قد يقصد أيضاً لغرض منع الشّعر من الانتشار وغيره، فالوجه النظر إلى تسميته حاسر الرأس ومستور جميع الرأس أو بعضه (٢) -والله أعلم-.

وقوله في الكتاب: (أن يستر مقدارًا يقصد ستره إلى آخره) مُعَلَّمْ بالحاء؛ لأن عند أبي حنيفة -رحمه الله- لا تكمل الفدية إلا إِذَا ستر رُبُعَ الرأس فصاعداً فإن ستر أقل من ذلك فعليه صدقة -والله أعلم-.

قال الغزالي: أَمَّا سَائرُ البَدَنِ فَلَهُ سَتْرُهُ لَكِنْ لاَ يَلْبَسُ المَخِيطَ الَّذِي أَحَاطَتْهُ الخِيَاطَةُ كَالقَمِيصِ، أَوِ النَّسْجَ كَالدِّرْعِ، أَوِ العِقْدَ كجُبَّة الِلِّبْدِ، وَلَو ارْتَدَى بِقَمِيصٍ أَوْ جُبَّةِ فَلاَ بَأْسَ وَكَذَا إِذَا الْتَحَفَ نَائِماً، وَلَوْ لَبِسَ القُبَّاء لَزِمَهُ الفِدْيَةُ وإنْ لَمْ يُدْخِلُ اليَدَ في الكُمِّ وَلاَ بأْس بِعَقْدِ الإِزَارِ بِتِكَّةٍ تَدْخُلُ في حُجْزةٍ، وَلاَ بالهِمْيَانِ وَالمِنْطَقَةِ، وَلاَ بِلَفِّ الإِزَارِ عَلَى السَّاقِ.

قال الرافعي: ما سوى الرأس من البَدَنِ يجوزِ للْمُحْرِمِ سَتْرُه، ولكن لا يجوز له


(١) أخرجه البخاري (١٨٣٥، ١٩٣٨، ٥٦٩٥، ٥٦٩٩، ٥٧٠٠، ٥٧٠١) ومسلم (١٢٠٢).
(٢) قال النووي: تجب الفدية بتغطية البياض الذي وراء الأذن، قاله الروياني وغيره، وهو ظاهر. ولو غطى رأسه بكف غيره، فالمذهب: أنه لا فدية، ككف نفسه. وفي "الحاوي" و"البحر" وجهان لجواز السجود على كف غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>