للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: أَمَّا المَعْذُورُ بِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍّ فَلَهُ اللُّبْسُ وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ الفِدْيَةُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ سَرَاوِيلَ وَلَوْ فَتَقَهُ لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ إِزَارٌ فَلْيَلْبَس وَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ، وَكَذَا إِذَا قُطِعَ الخُفُّ أَسْفَلَ الكَعْبَيْنِ، وَاسْتِتَارُ ظَهرِ القَدَمِ بِهِ كَاسْتِتَارِهِ بِشِرَاكِ النَّعْلِ.

قال الرافعي: قد عرفت حكم غير المعذور.

وأما المعذور ففيه صور:

أحدها: لو احتاج الرجل إلى سَتْرِ الرأس أو لبس المخيط بِعُذْرٍ حَرٍّ أو بَرْدٍ أو مداواةٍ جاز له ذلك، وكذا المرأة لو احتاجت إلى ستر الوجه، ولكن تجب الفدية كما إذا احتاج إلى الحَلْقِ بسبب الأَذَى جاز الحلق ولزمت الفِدْيَة على ما نَصَّ عليه القرآن.

الثانية: لباس المحرم الرِّدَاء والإزار والنّعْلاَن على ما مُرّ، فلو لم يجد الرداء لم يجز له لِبْسُ القَمِيص، بل يرتدي ويتوشح به، ولو لم يجد الإزَار ووجد السَّرَاوِيل نُظِر، إن لم يتأت اتخاذ إزار منه إما لصغره أو لفقد آلات الخِيَاطَة أو لخوف التَّخَلُّفِ عن القافلة فله لبسه؛ لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "من لَمْ يَجِدِ الإزَارَ فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ" (١) وإذا لبسه فَلاَ فِديَةَ عَلَيْهِ. وقال أبو حنيفة ومالك: تجب الفدية.

وإن تَأَتَّى اتخاذ إزارٍ منه فلبسه على هيئته فهل تلزمه الفدية؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم، كما لو لبس الخف قبل أن يقطعه.

والثاني: لا، لإطلاق الخبر، وفي الخُفِّ أمر بالقطع على ما روينا في خبر ابن عمر -رضي الله عنهما-، وبالوجه الأول أجاب الإمام، وتابعه المصنف حيث قيد فقال: (ولو فتقه لم يتأت منه إزار فلا فدية) ولكن الأصح عند الأكثرين: إنما هو الوجه الثاني، وإذا لبس السراويل لفقد الإزار ثم وجده فعليه النزع، ولو لم يفعل فعليه الفِدْيَة.

وقوله في الكتاب: (فلا فدية للخبر) المراد من الخبر ما رويناه، وما الاستدلال به على نَفْي الفِدْيَةِ من جهة أنه يقتضي تجويز اللّبس عند فقد الإزار، والأصل في مباشرة الجَائِزَاتَ نَفْي المؤاخذة.

الثالثة: إذا لم يجد النعلين لبس المكعب أو قطع الخُفَّ أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبِ ولبسه، وهل يجوز لبس الخف المقطوع والمكعب مع وجود النعلين؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ لشبهه بالنَّعْلِ ألا ترى أنه لا يجوز المَسْحُ عَلَيْهِ.

وأصحهما: لا؛ لأن الإذن في الخَبَرِ بقيد شرط: أن لا يجد النَّعْلَيْنِ، وعلى هذا


(١) أخرجه البخاري (١٧٤٠، ١٨١٢، ١٨٤١، ٥٨٠٤، ٥٨٥٣) ومسلم (١١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>