للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لاَ وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا" (١) لكن أئمة الحديث ضعفوه، فعلى هذين القولين لا يَنْحَصِرُ الاستثناء في حالة القعود، على خلاف ما ذكره صاحب الكتاب، وعن الشافعي -رضي الله عنه- قول آخر أن تلك الحالة أيضاً لا تستثنى بل النوم في عينه حدث، لإطلاق ما سبق من الأخبار، وكما في سائر الأحداث لا فرق فيها بين حالتي القعود وغيرها، وإلى هذا القول صار المزني.

وعن مالك أنه إن نام جالساً قليلاً لم ينتقض [وضوءه وإن نام كثيراً انتقض] (٢) هذا كله إذا كان في غير الصلاة، [أما إذا كان في الصلاة] (٣) فقولان:

القديم: أنه لا ينتقض وضوءه، لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي صَلاَتِهِ بَاهَى اللهُ بِهِ مَلاَئِكَتَهُ يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي رُوحُهُ عِنْدِي وَجَسَدُهُ سَاجِدٌ بَيْنَ يَدَيَّ" (٤).

والجديد: أن حكمه كما لو كان خارج الصلاة، لما سبق من الأخبار وللقياس على سائر الأحداث، ولأن النوم إنما أثر؛ لأنه قد يخرج منه الشيء من غير شعوره به، وهذا المعنى لا يختلف بين أن يكون في الصلاة أو خارج الصلاة (٥).

وإذا عرفت ما ذكرنا عرفت أن قوله: "أو سكر" ينبغي أن يكون مُعلمًا بالواو، وكلمة الاستنثاء من قوله: "إلا النوم قاعداً" بالقاف والزاي إشارة إلى القول الذي حكينا أن عين النوم حَدَثٌ، وإليه ذهب المزني (٦) فإنه لا استثناء على ذلك القول وقوله:


(١) انظر التخريج السابق وهذا لفظ البيهقي، كذا ذكره الحافظ في التلخيص (١/ ١٢٠).
(٢) (٣) سقط في ب.
(٤) أخرجه البيهقي من رواية أنس، وقال: ليس بالقوي والدارقطني في علله من رواية الحسن عن أبي هريرة، وقال: لا يثبت سماع الحسن من أبي هريرة وابن شاهين من رواية عطية، عن أبي سعيد وعطية تالف. انظر خلاصة البدر المنير (١/ ٥٤) التلخيص (١/ ١٢٠).
(٥) قال النووي: لا فرق عندنا بين قليل النوم وكثيره. ولو نام محتبياً فثلاثة أوجه أحدها: لا ينتقض. أصحها: مقعدته، والثالث: ينتقض وضوء نحيف الأليّين دون غيره، ولو نام ممكنًا فزالت إحدى أليتيه عن الأرض. فإن كان قبل الانتباه انتقض، وإن كان بعده أو معه أوشك لم ينتقض، ولو شك هل نام أم نعس؟ أو هل نام ممكنًا أم لا؟ لم ينتقض، ولو نام على قفاه ملصقاً مقعده بالأرض انتقض، ولو كان مستثفراً بشيء انتقض أيضاً على المذهب، قال الشافعي والأصحاب: يستحب الوضوء من النوم ممكنًا للخروج من الخلاف -والله أعلم-.
(٦) إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق، أبو إبراهيم المزني المصري، الفقه الإمام، صاحب التصانيف، أخذ عن الشافعي، وكان يقول: أنا خلق من أخلاق الشافعي، وقال عنه الشافعي: المزني ناصر مذهبي، توفي في رمضان، وقيل في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائتين، انظر ترجمته في طبقات السبكي (١/ ١٣٨) وفيات الأعيان (١/ ١٩٦) شذرات الذهب (٢/ ١٤٨) النجوم الزاهرة (٢/ ٣٩) مروج الذهب (٨/ ٥٦) طبقات لابن قاضي شهبه (١/ ٥٨) معجم المؤلفين (٢/ ٣٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>