للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحَلْقِ. وقال أَبُو حَنِيفةَ -رحمه الله-: إنما يفسد إذا جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ أَرْبَعَةَ أشْوَاطٍ، وأما بعد ذلك فَلاَ. ويجوز أن يُعَلَّم لذلك قوله في الكتاب: (قبل السعي) وقوله: (قبل الحلق) كلاهما بالحاء.

واعلم أن التفصيل الذي ذكره في أن الجِمَاعَ يفسدها قَبْلَ الحَلْقِ أو لا يُفْسِدُهَا إلا إذا وقع قَبْلَ السَّعْي مبنياً على الحَلْقِ، هل هو نُسُك ضرب من البَسْطِ والإيضَاحِ، إلا فَإذَا عرفنا في هذا الموضوع أن الجِمَاعَ قبل التَّحَلُّلِ مفسد، وعرفنا من قبلَ الخلاف فِي أن الحَلْقَ هل هو نُسُكٌ أَم لاَ، لا يشتبه علينا التفصيل المذكور. واللواط، وإتيان البهيمة في الإفساد كالوَطْءِ في الفَرْجِ، وبه قال أحمد خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله- فيهما ولمالك -رحمه الله- في إِتْيَانِ البَهِيمَةِ، وروى ابْنُ كِجٍّ وَجْهاً كمذهب مالك.

قال الغزالي: ثُمَّ يَجِبُ المُضِيُّ في فاسِدِهَا بَإِتْمَامِ مَا كَانَ تَتِمَّةً لَوْلاَ الإفْسَادُ، ثُمَّ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ إن أَفْسَدَ، وَإِنْ كانَ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ فَشَاةٌ وَقِيلَ: بَدَنَةٌ، وَقِيلَ: لاَ يَجِبُ شَيْءٌ، وَالجِمَاعُ الثَّاني بَعْدَ الإفْسَادِ فِيهِ شَاةٌ، وَقِيلَ: بَدَنَةٌ، وَقِيلَ: لاَ شَيْءَ بَلْ يَتَدَاخَلُ.

قال الرافعي: سائر العِبَادَاتِ لا حرمة لَهَا بَعْدَ الفَسَادِ، ويصير الشَّخْصُ خَارِجاً مِنْهَا لكن الحَجِّ والعُمْرَة وإن فسدا يجب المُضِيُّ فِيهِمَا، وذلك بإتمام ما كان يفعله، لولا عروض الفَسَادِ، وروى عن عمر (١) وعلي (٢) وابْنُ عَبَّاسٍ (٣) وأبي هريرة (٤) -رضي الله عنهم- أنهم قالوا: "مَنْ فَسَدَ حَجُّهُ مَضَى فِي فَاسِدِهِ، وَقَضَى مِنْ قَابِلٍ".

ومن نتائج الفَسَادِ الكفارة، وهي بدنة، والقول في كيفية وجوبها، وما يقوم مقامها مذكور في بَابِ الدِّمَاءِ.

وعند أبي حنيفة -رحمه الله- إِنْ جامع قبل الوقوف لا تجب الفِدْيَة، وإنما يجب فيه دم شَاةٍ، وهذا مع تسليمه حصول الفَسَادِ، والحالة هَذِه، ولذلك أعلم قوله: (وعليه بدنه إن أفسد) بالحاء، والعمرة كالحَجِّ في وُجُوبِ البَدَنَةِ.

وعن أبي إسحاق: أن بعض أصْحَابِنَا ذهب إلى أن لا يَجِب فِي إِفْسَادِهَا إِلاَّ شاة، لانخفاض رتبتها عَنْ رُتْبَةِ الحَجِّ، ثم في الفَصْلِ مَسْأَلَتَانِ:

إحداهما: لو جامع بين التحللين وفرعنا على الصَّحِيحِ، وهو أن لا يُفْسِد ففيما يجب؟ فيه قولان:

أظهرهما: شاة، لأنه لا يتعلق فَسَاد الحَجِّ بِهِ، فأشبه المُباشَرة فيما دُونَ الفَرْجِ.


(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>