واختار المزني هذا القول، وأشار في "المختصر" إلى تخريجه للشافعي -رضي الله عنه-، وقيار: إنه حَكَاهُ فِي غير "المختصر" عن نصه.
والثاني: أن الواجب بدنهُ، لأنه وَطْءٌ محظورٌ في الحَجِّ، فأشبه الوَطْءَ قَبْلَ التحلل، وبهذا قال مَالِك وأحمد، ونقل الإمام بدل القولين وجهين، ووجهًا ثَالِثاً، وهو أنه لاَ يَجِب فيه شَيْءٌ أَصْلاً، وهو ضَعِيف؛ لأن الوطء لا ينقص عن سَائِرِ محظورات الإحْرَامِ، وهي بين التحللين موجبة للفدية على ظَاهِرِ المَذْهَب، وإذَا عرفت ذلك عَلَّمْتَ قوله:(فشاه) وقوله: (لا يجب شيء) بالميم والألف، وقولهَ:(بدنه) وقوله: (لا يجب شيء) بالزاي.
الثانية: إذا فسد حَجُّه بالجِمَاعِ ثم جامع ثانياً، فينظر إن لم يفد عن الأول ففي وجُوبِ شَيْءٍ للثَّانِي قولان:
أحدهما: لا يجب، بل يتدخلان كما لو جَامَع في الصَّوْمِ مرتين لا تَجِب إلاَ كَفَّارةٌ وَاحِدَةٌ.
وأصحهما: أنه لا تداخل لبقاء الإحْرَامِ، ووجوب الفدية بارتكاب سَائِرِ المَحْظُورَاتِ بِخِلاَفِ الصَّوْمِ، فإنه بالجماع الأول قد خرج عنه، وإن فدى عن الأول فلا تَدَاخل على المَشْهُورِ، ومنهم من طرد القولين، وبعضهم خصص القولين في الحالين بما إذا طَالَ الزَّمَانُ بَيْنَ الجِمَاعَيْنِ، واختلف المجلس، وقطع بالتداخل فيما إذا لم يكن كذلك، وحيث قلنا: بعدم التَّدَاخُلِ ففيما يَجِب بالجِمَاعِ الثَّانِي قولان:
أحدهما: بدنه كما في الجِمَاعِ الأول.
وأظهرهما: شاة؛ لأنه محظور لا يتعلق به فساد النُّسُكِ، فأشبه سائر المحظورات، وإذا اختصرت هذه الاختلافات قلت في المسألة ثلاثة أقوال على ما ذكره في الكتاب:
أظهرها: أن الجِمَاعَ الثاني يوجب شَاةً، وبه قال أَبُو حَنِيفَةَ -رحمه الله-.
والثاني: أنه يوجب بَدَنه.
والثالث: أنه لا يوجب شيئاً وبه قال مالك.
وعند أحمد -رحمه الله- إن كَفَّرَ عن الأوَّلِ وجب للثاني بَدَنَةٌ، ويجوز أن يُعَلَّم لهذه المذاهب قوله:(فيه شاة) بالميم، والألف، وقوله:(بدنة) بالميم والحاء، وقوله:(لا شيء) بالحاء والألف.