قال الرافعي: إفساد الحَجِّ يقتضي القضاء بالاتفاق، وقد روينا عن كِبَارِ الصَّحَابَةِ -رضي الله عنه- أنهم قالوا:"وَقَضَى مِنْ قَابِل"، ولا فرق في وجوب القَضَاءِ بين حَجِّ الفَرْضِ، وحَجِّ التَّطَوُّع، فإن التطوع يصير بالشُّروعِ فَرْضاً أيضاً، وقضاء كُلِّ حَجَّةٍ يجزئ عَمَّا كان يُجْزِئ آداؤها لَوْلاَ الفَسَاد فَلاَ يتأدى بالفَرْضِ غيره، ولا بالتطوع غيره.
ولو أفسد القضاء بالجماع لزمته الكَفَّارة، ولم يلزمه إلا قَضَاء واحد؛ لأن المقضي وَاحِدٌ، ويتصور القَضَاء في عَامِ الإفْسَادِ بأن يحصر بعد الإفساد، ويتعذر عليه المضي في الفَاسِدِ فيتحلل، ثم يتفق زوال الحَصْر، والوقت باقٍ فيشتغل بالقضاء. هذا أصْلُ الفَصْلِ، ويتعلق به صور:
إحداها: في كيفية وجوب القضاء وجهان:
أحدهما: أنه على التَّرَاخِي، كما كان الأداء عَلَى التَّرَاخِي.
وأصحهما: أنه على الفَوْرِ؛ لأنه لزم، وتضيق بالشّرُوع، ويدل عليه ظَاهِر قول الصَّحَابَةِ -رحمه الله عنهم- أنه يقضي من قَابِل، وعن القَفَّالَ: إجراء هذا الخلاف في كل كَفَّارَةٍ وجبت بعْدوَان؛ لأن الكَفَّارَةَ فِي وَضْعِ الشَّرْعِ على التَّرَاخِي كَالْحَجِّ.
وأما الكفارة الواجبة من غير عدوان فَهِى عَلَى التَّرَاخِي لاَ مَحَالَة، وأجرى الإمامُ - رحمه الله- الخلاف في المتعدي بترك الصَّوْمِ أيْضاً، والكلام في انقسام قضاء الصَّوْمِ إلى الفَوْرِ والتَّرَاخِي، والخلاف فيه قد مَرَّ في كِتَابِ الْصَّوْمِ.
قال الإمام: والمتعدي بترك الصَّلاة يلزمه قَضَاؤُهَا على الفَوْرِ بِلاَ خِلاَفٍ عَلَى المَذْهَبِ؛ لأن المصمم على ترك القَضَاءِ مَقْتُول عِنْدَنَا، ولا يتحقق هَذَا إلاَّ مَعَ توجه الخِطَاب بمبادرة القَضَاءِ وهذا ما أورده المُصَنِّف حُكْماً وتوجيهاً، وفي التوجيه وقفة؛ لأن أكثرَ الأَصْحَاب لم يعتبروا فيما يناط به القتل ترك القَضَاءِ على ما عرفت في باب تَارِكِ الصَّلاَةِ. وأما الحكم فاعلم أن في وجوب الفور وجهين في حَقِّ المتعدي.
أحدهما -وبه أجاب في الكتاب-: أنه يجب، لأَنَّ جواز التأْخِيرِ نوع تَرْفِيهٍ