للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتخفيف، والمُتَعَدِّي لا يستحق ذَلِك، ويحكى هذا عن أبي إسحاق وهو الأشبه على ما ذكرنا في ترك الصَّوْم.

والثاني: أنه لا يجب إذ الوقت قد فات واستوت بعده الأوقات، وربما رجح العراقيون هذا الوجه.

وأما غير المتعدي فالمَشْهُورُ أنه لا يلزمه الفَوْر في القَضَاءِ، روي أن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "فَاتَتْه صَلاة الصُّبْحِ فَلَم يُصَلِّهَا حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْوَادِي" (١).

ونقل في "التهذيب" وجهاً أنه يلزمه لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا" (٢).

الثانية: إن كان قد أحرم في الأَدَاءِ قبل الميقات مثل إن أحرم من الكوفة أو من دوَيْرَةِ أَهْلِهِ لزمه أن يخرج في القَضَاءِ من ذلك المَوْضِعِ، لأن ما بين ذلك الموضع مسافة لزمه قطعها مُحْرِماً في الأَدَاءِ، فيلزمه في القَضَاءِ كما بين الميقات ومكَّة، ولو جاوزه أراقَ دَماً كما لو جاوز المِيقَات الشَّرْعِي.

وإن كان قد أحرم بَعْدَ مجاوزة المِيقَاتِ نظر إن جاوزه مسيئاً لزمه في القضاء أن يحرم من الميقات الشَّرْعِي، وليس له أن يُسِيءَ ثَانِياً، وهذا معنى قول الأصحاب يحرم في القضاء من أغلظ الموضعين عليه من الميقات، أو من حيث أحرم في الأَدَاءِ، وإن جاوزه غير مُسِيئٍ بأن لم يرد النُّسُك، ثم بَدَا لَهُ فأحرم، ثم أفسد فقد حكى الشيخ أَبُو عَلِيٍّ فيه وجهين:

أحدهما -وهو الذي أورده صاحب "التهذيب"-: أن عليه أن يحرم في القَضَاءِ من المِيقَاتِ الشَّرْعِي، لأنه الوَاجِب فِي الأَصْلِ.

وأصحهما: عند الشيخ أَبِي عَلِيٍّ: أنه لا يلزمه ذلك، بل له أن يحرم من ذلك الموضع سُلُوكاً بالقضاء مَسْلَك الأَدَاءِ، وهذا لو اعتمر المتمتع من الميقات ثم أحرم بالحَجِّ من مَكَّة وأفسده لا يلزمه في القَضَاءِ أن يحرم من المِيقَاتِ، بل يكفي أن يُحْرِمُ مِنْ جَوْفِ مَكَّة. ولو أفرد الحَجَّ ثم أحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ من أدْنَى الحِلِّ ثم أفسدها يكفيه أن يحرم في قَضَائِهَا مِنْ أدْنَى الحِلِّ، والوجهان مفروضان فيما إذا لم يرجع إلى المِيقَات فما فوقه. أما إذا رجع ثم عاد فَلاَ بُدَّ مِنَ الإحْرَامِ مِنَ المِيقَاتِ.

واعلم قوله في الكتاب: (لزمه في القضاء أن يحرم من ذلك المكان) بالميم والحاء؛ لأن مالكاً وأبا حنيفة -رحمهما الله- قالا: يحرم في قَضَاءِ الحَجِّ من الميقات، وفي قضاء العُمْرَةِ مِن التَّنْعِيمِ. ولا يجب أن يحرم بالقَضَاءِ في الزمان الذي أحرم فيه


(١) تقدم.
(٢) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>