الاستمتاع، أو يكونا معاً من قِسْمِ الاسْتِهْلاَكِ، أو من قِسْمِ الاسْتِمْتَاعِ.
الحالة الأولى: أن يكون أحدهما من هذا، والآخر من ذاك، فينظر إن لم يستند إلى سَبَبٍ وَاحِدٍ، كَحَلْقِ الرَّأْسِ ولبس القميص تعددت الفِدْيَة ولا تداخل؛ لأن السَّبَبَ مُخْتَلِفٌ، ولا تداخل عند اخْتِلاَفِ السَّبَبِ، كما في الحدود، وإن استند إلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ، كَمَا إِذَا أصاب رَأْسَهُ شَجَّةٌ، واحتاج إلَى حَلْق جَوَانِبِهَا وسترها بضماد فيه طيب فوجهان: أصحهما: أنه لا تداخل أيضاً؛ لاخْتِلاَفِ أَسْبَابِ الفدْيَةِ.
والثاني: أنها تتداخل؛ لأن الدَّاعِيَ إلى جَمِيعِهَا شَيْءٌ وَاحِد.
الحالة الثانية: أن يكون كِلاَهُمَا مِنْ قِسْمِ الاسْتِهْلاَكِ، فلا يخلو إما أن يكونوا مما لا يقابل بالمثل، أو بما يقابل به، أو أحدهماَ مِنْ هَذَا، والآخر مِنْ ذَاكَ، فأما الضَّرْبُ الأَوَّلُ، فينظر إن اختلف نَوْعُه كَالْحَلْقِ، والْقَلْم، فَلاَ تَدَاخل، ويجب لِكُلِّ واحدٍ فِدْيَة، سواء وجد علي سبيل التفرق أو التوالي في مَكَانٍ وَاحِدٍ، أو مكانين كالحدود لا تتداخل إذا اختلفت أسبابها، ولا فرق بين أن يوجد النوعان بفعلين أو في ضمن فعل واحد، كما لو لبس ثوباً مُطَيَّباً بلزمه فِدْيَتَانِ. وفيه وجه أنه لاَ يَجِب إلاَّ فِدْيَة وَاحِدَة.
وإن اختلف النوع كما إذا كَانَ الموجودُ مِنْهُ الحَلْق لا غير فقد سَبَقَ أن حُكْمَ ثلاث شعرات يقابل بِدَمٍ وَاحِدٍ، ولو حلق جميع الرأس دفعة واحدة في مَكَانٍ وَاحِدٍ لم يلزمه إلاَّ فِدْيَة واحدة؛ لأنه يُعَدَّ فعلاً واحداً. وكذا لو حلق شَعْرَ رَأْسِهِ وبدنه على التَّوَاصُلِ.
وعن الأنماطي: أنه يلزمه فِديَةٌ لِشَعْرِ الرَّأْسِ، وَفِدْيَةُ لِشَعْرِ البَدَنِ.
ولو حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ في مكانين أَوْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، ولكن في زمانين متفرقين فَفِي التَّدَاخُلِ طريقان:
أحدهما -وبه قال القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: أنه كما لو اتحد نوع الاستمتاع، واختلف المكان والزمان وستعرفه.
وأصحهما -وبه قال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: القَطْعُ بِعَدَم التَّدَاخُلِ، لأنه إتْلاَف، فيضمن كل واحد ببدله كما في قَتْلِ الصّيودِ، ويخالف ما إِذَا حَلق شَعْره، أو قلم أظافره دفعةً وَاحِدَةً، فإن وجوب الفدية الواحدة لَيْسَ عَلَى سَبِيل التداخل، بل لأن الموجودَ فِعْلٌ واحِدٌ. ولو حلق ثَلاَثَ شَعَرَاتٍ في ثلاثة أمكنة أَوْ ثَلاثَةِ أوقاتٍ مُتَفَرِّقَةِ.
فإنْ قلنا: إنَّ كُلَّ شَعْرَةٍ تقابل بثلث فلا فرق بين أَخْذِهَا دفعة واحدة، أو في دفعات. وإن قلنا: إن الشَّعرَةَ الوَاحِدَةَ تقابل بِمُدٍّ أو دِرْهَمٍ، والشَّعرَتَيْنِ بِمُدَّينِ أو درهمين، فينبني على الخِلاَف الَّذِي ذَكَرْنَاهُ الآن، وإن لم نعدد الفِدْيَة فيما إذا حَلَقَ الرأس في دفعتين، أو دفعات، ولم نجعل لتفريق الزَّمَانِ أثراً فالواجب فِيهَا دَمٌ، كما لو