للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخذَهَا دفعةً وَاحِدَةً، وإن عددناها وجعلنا التَّفْرِيقَ مؤثراً قَطَعْنَا حُكْمَ كُلِّ شَعْرَةٍ عَنِ الآخرين، وأوجبنا فيها ثلاثة دَرَاهِم على قَوْلٍ، وثلاثة أمْدَادٍ عَلَى قَوْلٍ.

والضَّرْبُ الثَّانِي: ما يقابل بمثله، وهو إتْلاَف الصّيُودِ، فتتعدد فديتها، سواء فدى عن الأول، أو لم يفد، اتحد المكان أو اختلف، وإلَى أو فَرَّق؛ لأن سَبِيلَهَا سَبِيلُ ضَمَانِ المُتْلَفَاتِ، وحكم الضَّرْبِ الثَّالِثِ حُكْمُ الضَّرْبِ الثَّانِي بِلاَ فَرْقٍ.

الحالة الثالِثة: أن يكون كِلاَهُمَا مِنْ قِسْمِ الاستمتاع فلا يخلو إما أن يَتَّحِدَ النَّوْع أو يختلف.

القسم الأول: أن يتحد كَمَا لَوْ تَطَيَّبَ بأنْوَاعٍ مِنَ الطِّيب، أو لبس أنواعاً مِنَ المَخِيطِ كَالعَمَامَةِ، والقميص، والسَّرَاوِيلِ، والخُفّ، أو نوعًا وَاحداً مَرَّةً بعد أخرى، فينظر إن فَعَل ذَلِك في مَكَانٍ وَاحِدٍ على التوالي فَلاَ تعدد؛ لأن جَمِيعَهُ يعد خُطَّة وَاحِدَة.

قال الإمام: ولا يقدح في التوالي طول الزَّمَان في مضاعفة القميص، وتكوير العمامة، ويشبه هذا بالرضعة الوَاحِدَة في الرَّضَاعَةِ، والأكلة الواحدة في اليَمِين، وهذا ما أشَارَ إليهِ صَاحِبُ الكِتَابِ بقوله: (على التتابع المعتاد).

وإن فعل ذلك في مكانين أو مَكَانٍ وَاحِدٍ، ولكن تخلل زَمَانٌ فَاصِل، فينظر إن لم يتخلل التَّكْفِير بينهما فقولان:

الجديد -وبه قال أبو حنيفة-: أنه يَجِب للثَّانِي فدية أخرى، كما في الإتْلاَفِ.

والقديم: أنه لا يجب، وتتداخل؛ لأن الفِدْيَةَ تَجِب لِحَقِّ اللهِ تَعَالَى، ويفرق فيها بين العَامِدِ، والنَّاسِي فأشبهت الجِنَايَاتِ المُوجِبَةِ لِلْحُدُودِ.

فَإِنْ قُلْنَا: بالأَّوَّلِ فذلك إِذَا لم يجمعها سبب واحد.

أما إذا تطيب أو لبس مراراً لِمَرَض وَاحِدٍ: فوجهان: كما ذكرنا في الحَالَةِ الأُولَى:

وأصحهما: التعدد أيضاً.

وإن تخلل بينهما تكفير فلا خِلاَفَ فِي وُجُوبِ فِدْيَة أُخْرَى، كَمَا فِي بَابِ الحدود.

وإن كان قد نوى بما أخرجه المَاضِي، والمستقبل جَمِيعاً فيبنى على أن تقديم الكفارة على الجنب المَحْظُورِ، هَلْ يَجُوزُ أم لا؟

من قلنا: لا: فلا أثر لِهَذِهِ النِّية.

وإن قلنا: نعم: فوجهان:

أحدهما: أن الفديةَ ملحقَةٌ بِالْكَفَّارَة في جواز التَّقْدِيمِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ للثَّاني شَيْءٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>