للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفس الإحصار لا يوجب هَدْياً، والأولى أن لا يعجل التَّحلُّل إن وسع الوقت، فربما يزول المنع فَيُتمُّونَ النّسك، وإن كان ضيقاً فالأولى التعجيل كي لا يفوت الحج، ويجوز للمحرم بالعمرة التحلل أيضاً عند الإحصار (١)، وعن مالك: أنه لا يجوز التَّحلُّل في العمرة؛ لأنه لا يخاف فواتها.

أما أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- "تَحَلَّلَ بِالإحْصَارِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ مُحْرِماً بَالْعُمْرَةِ" (٢).

إذا عرفت ذلك ففي الفصل مسائل:

إحداهما: لو منعوا ولم يتمكَّنُوا من المسير إلاَّ بِبَذْل مال، فلهم أن يتحلَّلُوا ولا يبذلوا المال، وإن قل إذ لا يجب احتمال الظلم في أداء الحج بل يكره البذل، إن كان الطالبون كفاراً لما فيه من الصَّغَار، وإن احتاجوا إلى قتال ليسيروا، نظر إن كان المانعون مسلمين فلهم التَّحلل ولا يلزمهم القتال، وإن قدروا عليه لما فيه من التَّغْرير بالنَّفس، وإن كانوا كفاراً فقد حكم صاحب الكتاب بوجوب القتال، إذا لم يزد عدد الكفار على الضعف، وهكذا حكى الإمام -رحمه الله- عن بعض المصنفين، ولم يرتضه على هذا الإطلاق، بل شرط فيه وِجْدَانهم السّلاح وأُهْبة القتال، وقال: إذا وجدوا الأهبة وقد صدتهم الكفار، فلا فرار ولا سبيل إلى التحلل.

وأنت إذا فَحَصْت عن كتب الأكثرين وجدتهم يقولون: لا يجب القِتَال على الحجيج، وإن كان العدو كفاراً وكان في مقابلة كل مسلم أقل من مشركين غير أنهم إن كانوا كفاراً وكان بالمسلمين قوة فالأولى: أن يقاتلوا ويمضوا نُصْرَةً للإسلام وإتْماماً للحج، وإن كان بالمسلمين ضعف أو كان العدو مسلمين، فالأولى: أن يتحلَّلُوا، ويتحَرَّزُوا عن قتال تحرُّزاً عن سفك دماء المسلمين، ولهؤلاء أن يقولوا للإمام: لا نزاع في أنهم لو قاتلوا المُسْلمين والصورة ما ذكرت لم يكن لهم الفرار، لكن يجوز أن


(١) [شرط الإحصار المقتضي للتحلل أن يكون عن الأركان خاصة فلو منع عن الرمي والمبيت فلا يجوز له التحلل كما نقله الشيخ في شرح المهذب عن الروياني وغيره لأنه متمكن من التحلل بالطواف والحلق ويقع حجه مجزياً عن حجة الإسلام ويجبر المبيت والرمي بالدم ومحل ما ذكره الشيخ فيما إذا لم يتيقن انكشاف العدو فإن تيقن فقال الماوردي: فينظر إن كان في الحج وتيقن انكشافهم في مدة يمكن إدراك الحج بعدها أو في العمرة وتيقن انكشافهم عن قرب وهو ثلاثة أيام لم يجز التحلل، وقول الشيخ لئلا يفوت الحج أي فيلزمه القضاء على وجه لكن الأصح لا يجب القضاء هنا وقول الشيخ: كان لهم أن يتحللوا يفهم أن التحلل مستحب غير واجب وهو أحد كلامي ابن الرفعة وقال إن كلام الأصحاب دال عليه وصرح به القاضي أبو الطيب والبندنيجي وقال -أعني ابن الرفعة- أيضاً ظاهر كلام التنبيه أن التحلل واجب وهو ظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا].
(٢) انظر التخريج السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>