للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمنعوهم من الحج ولا يقاتلوهم لو تركوا الحج، كل يلزمهم ابتداء القتال ليمضوا؟

هذا موضع الكلام، وعلى كل حال فلو قاتلوهم كان لهم أن يلبسوا الدروع والمغافر، ثم يفدون كما إذا لبس المحرم المَخِيطَ لدفع حر أو برد.

الثانية: ما ذكرنا من جَواز التَّحلل مفروض فيما إذا مَنَعُوا من المضي دون الرجوع والسير في صوب آخر.

فأما إذا أحاط العدو بهم من الجوانب كلها ففيه وجهان كذا نقل المعظم، وقال الإمام والمصنف قولان:

أحدهما: ليس لَهُمَا التَّحلل، لأنه لا يربحهم، والحالة هذه ولا يستفيدون به أمناً، وصار كالمريض ليس له التحلل.

وأصحهما: أن لهم التحلل؛ لأنهم يستفيدون به الأمن من العدو الذي بين أيديهم.

الثالثة: ليس للمحرم التّحلّل بعذر المرض، وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله- يصبر حتى يَبْرَأ، فإن كان محرماً بِعُمرة أتمَّها، وإن كان محرماً بحج وفاته تَحَلَّل بعمل عُمْرة؛ لأنه لا يستفيد بالتَّحلُّل زوال المرض.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: (أنه لا حَصْرَ إلاّ حصر العدو)، وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: يجوز التَّحلل بالمرض، وهذا إذا لم يشترط التَّحلل عند المرض.

أما إذا شرط أنه إذا مرض تحلل، نقد نص في القديم على صحة هذا الشرط، وعلق القول في الجديد بصحة حديث ضبَاعَة بنت الزبير -رضي الله عنهما- وهو ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: "أَمَا تُريدِينَ الْحَجَّ، فَقَالَتْ: أَنَا شَاكِيَةٌ فَقَالَ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنْ تَحِلِّيَ حَيْثُ حُبِسْتِي" (١): وللأصحاب فيه طريقان: أثبت عامتهم فيه خلافاً، وقالوا: إنه صحيح في القديم، وفي الجديد قولان:

أظهرهما: الصحة للحديث، وبه قال أحمد.

والثاني: المنع، وبه قال مالك وأبو حنيفة -رحمهما الله- لأنه عبادة لا ليجوز الخروج منها بغير عذر، فلا يجوز بالشرط كالصَّلاَة المفروضة، وعن الشيخ أبي حامد وغيره: أنه صحيح جزماً بصحة الحديث ولو شرط التحلل لغرض آخر كضلال الطريق ونفاذ النفقة والخطأ في العدد، فهو كما لو شرط التَّحلل عند المرض، وعن الشيخ أبي محمد: أنه لغو لا محالة، والخلاف مخصوص بالمرض لورود الخبر فيه.


(١) أخرجه البخاري (٥٠٨٩) ومسلم (١٢٠٧) من رواية السيدة عائشة -رضي الله عنها-.

<<  <  ج: ص:  >  >>