الخلاف في مسائل اللمس الوجه الناظر إلى وقوعه في محل الشَّهوة ومظنتها، حتى قالوا لا تنقض الطهارة بلمس المحرم والصغيرة على الأصح وهاهنا عكسوا ذلك فقالوا: الأصع الانتقاض بمس فرج الميت والصغير، ولم يعتبروا الشهوة فما الفرق. فالجواب: أن اللَّمْسَ والمَسَّ متقاربان في أمر الشهوة، وحصول الخلاف إذا وقعا في غير مظنة الشهوة، إلا أن الشافعي -رضي الله عنه- نظر في اللمس إلى شيء آخر، إذا كان الممسوس فَرْج الغير، وهو أنه بالمس هاتك حرمة الممسوس فرجه، فحكم بانتقاض وضوئه، منعاً له عن ذلك، ولهذا لم يحكم بانتقاض طَهَارة المَمْسُوس فرجه؛ لأنه لا هتك منه، بخلاف الملموس حيث انتقض طهره على أظهر القولين، لشمول معنى الشهوة، وكان الهتك أرجح المعنيين عند الشافعي -رضي الله عنه- والنظر إليه أولى، ألا تراه علل في مس فرج البهيمة لا يوجب حدثاً، فقال: لأنه لا حرمة لها، ولا تعُبّد عليها -والله أعلم-.
وهذه المسائل كلها في المس ببطن الكف، أما لو مس برءوس الأصابع، ففيه وجهان:
أحدهما: أن المَسَّ بها كالمس بالراحة؛ لأنها من جنس بشرة الكف، ويُعْتَاد المس بها بالشهوة وغيرها وأظهرهما: أنه لا يؤثر المس بها؛ لأنها خارجة عن سمت الكف، ولا يعتمد على المس بها وحدها من أراد معرفة ما يعرف باللمس من اللين والخُشُونة وغيرهما، وفيما بين الأصابع أيضاً وجهان، وعدم الانتقاض فيه أظهر، وقد نقلوه عن نص الشافعي -رضي الله عنه- وأطبقوا على ترجيحه، وأما في رءوس الأصابع، فمنهم من رجح القول بالانْتِقَاض، وكأنه لهذا التفاوت صرح بأن الصحيح عدم الانتقاض في المسألة الثانية، وسكت عن الترجيح والتصحيح في الأولى، والمعنى برأس الإصبع موضع الاستواء بعد المنحرف الذي يلي الكف، فإنه من الكف بلا خلاف، ثم من يقول: بأن المس برأس الإصبع ناقض يقول: باطن الكف ما بين الأظفار، والزّند (١)، أي: في الطول، ومن يقول: إنه غير ناقض يقول: باطن الكف هو القدر المنطبق إذا وضعت إحدى اليدين على الأخرى، مع تَحَامُل يسير والتقييد بقولنا: مع تحامل يسير، ليدخل فيه المنحرف الذي ذكرناه، وطرف الكَفِّ وهو حرف اليد على الوجهين في رءوس الأصابع.