على التخيير، كفدية الحَلْق والقَلْم، وإن جعلناه استمتاعاً فهو على الترتيب كفدية الطِّيب واللِّباس والتمتع. واعلم أن هذا التَّشبيه في الطِّيب واللِّباس كلام مَنْ يجعل الأمر ثم على الترتيب، وقد سبق ما فيه من الخلاف. وقوله في الكتاب: (قَوَّمَ البَدَنَةَ دراهم)، يجوز إعلامه بالواو، للوجه المنسوب إلى حكاية ابن كج.
وقوله: (والدَّرَاهم طعاماً والطعام صياماً) باقي الكلام محذوف، والمعنى: وأطعم فإن عجز صام، ثم إيراد الكتاب قد يوهم ترجيح قول التخيير بين البدنة والبقرة والشاة على الترتيب، لكن الأظهر عند الأكثرين الترتيب فيها أيضاً، وإيراد "الوسيط" يوافقه.
قال الغزالي: السَّابعُ: الجِمَاعُ الثَّانِي أَوْ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ إِنْ قُلْنَا: فِيهِ شَاةٌ فَهُوَ كَالقُبْلَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: بَدَنَةٌ فَكَالجِمَاعِ الأَوَّلِ.
قال الرافعي: قد سبق الخلاف في أن الجماع الثَّانِي يوجب البَدَنَة أو الشاة، وكذا الجماع بين التَّحللين، فإن أوجبنا البدنة فهي في الكيفية كالجماع الأول قبل التحللين، وإن أوجبنا الشَّاة فهي كفدية القُبْلة وسائر مقدمات الجِمَاع، وهذا ظاهر.
قال الغزالي: الثَّامِنُ: دَمُ التَّحَلُّلِ بِالإِحْصَارِ وَهُوَ شَاةٌ فَإِنْ عَجَزَ فَلاَ بَدَلَ لَهُ فِي قَوْلٍ، وَفِي قَوْلٍ: بَدَلَهُ كَدَمِ التَّمَتُّعِ، وَفِي قَوْلٍ: كَدَمِ الحَلْقِ، وَفِي قَوْلٍ: كَدَمِ الوَاجِبَاتِ المَجْبُورَةِ.
قال الرافعي: على المحصر دم شاة للتحلل، ولا معدل عنه إن وجد الشاة، وإلاَّ فهل لهذا الدم من بدل؟
فيه قولان:
أصحهما وبه قال أحمد: نعم، كسائر الدماء الواجبة على المحرم.
والثانيِ: وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله-: لا، لأن الله تعالى لم يذكر لدم الإحصار بدلاً، ولو كان له بدل لأشبه أن يذكره كما ذكر بدل غيره.
التفريع: إن قلنا: له بدل، فما ذلك البدل؟ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: الصوم، وبه قال أحمد -رحمه الله- كدم التَّمتع؛ لأن التَّحلل والتمتع جميعاً مشروعان تخفيفاً وترفيهاً وفيهما جميعاً ترك بعض النسك، فيلحق أحدهما بالآخر.
والثاني: الإطعام، لأن قيمة الهَدْي أقرب إليه من الصيام، وإذا لم يرد نص فالرجوع إلى الأقرب أَوْلَى.
والثالث: لكل واحد منهما مدخلاً في البداية كفدية الحلق، ووجه الشبه بينهما أنَّ المحصر دفع أذى العدو والإحرام عن نفسه، أما أن الحالق يبغي دفع أذى الشّعر.