والثاني: حكاه القاضي ابن كج: أن خصالها الثلاث الأول، فإن عجز عنها فالهدي في ذِمَّته إلى أَنْ يجد تخريجاً من أحد القولين في دم الإحْصَار وسنذكره، فإن جرينا على الصحيح، وهو إثبات الخصال الخمس، فهذا الدم دم تعديل لا محالة، لأنا في الجملة نقوّم البَدَنَة، وهل هو دم ترتيب أو تخيير؟ فيه قولان، ومنهم من يقول وجهان:
أصحهما: أنه دم ترتيب، فعليه بَدَنة إن وجدها، وإلاَّ فبقرة، وإلا فسبع من الغنم، وإلا قَوّم البدنة دراهم، والدراهم طعاماً، ثم فيه وجهان:
أحدهما: أنه يصوم عن كل مُدٍّ يوماً، فإن عجز عن الصيام أطعم كما في كفارة الظهار والقتل.
وأصحهما: ولم يورد الجمهور غير أن الترتيب على العكس، ويتقدم الطعام على الصيام، لأنّا لم نجد في المناسك تقديم الصيام على الإطعام في غير هذا الدم فكذلك هاهنا.
وإنما قدمت البدنة على البقرة وإن قامت مقامها في الضحايا لأن الصحابة -رضي الله عنهم- نصُّوا على البدنة، وذلك يقتضي تعيينها، وبينها وبين البقرة بعض التفاوت، أَلاَ تَرَى إلى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً"(١). وإنّما أُقِيم الإطعام والصِّيَام مقامها تشبيهاً بجزاء الصيد، إلاَّ أَنَّ الأمر ثَمَّ على التَّخيير، وهاهنا على التَّرْتِيب؛ لأنه يشبه الفَوَات في إيجاب القضاء، وموجب الفوات مرتب.
والقول الثاني: أنه دم تخيير؛ لأنه سبب تجب به البدنة، فيكون على التخيير كقتل النّعَامة، وأيضاً فإن الجِمَاع ملحق بالاسْتِهْلاكات على ما سبق، فتكون فديته على التخيير كفدية الحَلْق، وعلى هذا ففيم يثبت التخيير وجهان:
أظهرهما: أنه يتخير بين البَدَنَة والبقرة والسبع من الغنم، كما لو لزمه سبعة دماء.
وَأَمَّا الإطعام والصيام فهما على التَّرْتِيب ولا عدول إليهما، إِلاَّ إذا عجز عن الذَّبْح.
والثاني: أنه يتخير بين الكُلِّ كما في قتل النَّعَامة، وكما أن في فدية الحَلْق يتخير بين الصِّيَام والصّدقة والنُّسك، وقد ذكر القَفَّال وآخرون: أن القَوْلين في أنَّ دم الجماع دم ترتيب أو تخيير مبني على أن الجماع استهلاك أو استمتاع، إن جعلناه استهلاكاً فهو