الفراغ من العمرة، هذا إذا كفر بالدم، أما إِذَا كان بصوم، فإن قلنا: إن الكفارة تجب بالتحرم بالقضاء فصيام الأيام الثلاثة لا يتقدم على القضاء لا محالة؛ لأن العبادة البدنية لا تقدم على وقتها، ويصوم السبعة بعد الرجوع، وإن قلنا: إنها تجب بالفوات، فقد حكى الإمام -رحمه الله- في جواز صوم الأيام الثلاثة في الحجة الفائتة وجهين:
وجه المنع: أنه في إحرام ناقص، والذي عهدناه إيقاع الثَّلاَثة في نسك كامل.
قال الغزالي: وَأَمَّا المَكَانُ فَيَخْتَصُّ (ح) جَوَاز الإِرَاقَةِ بِالحَرَمِ، وَالأَفْضَلُ فِي الحَجِّ مِنّي، وَفِي العُمْرَةِ عِنْدَ المَرْوَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ تَحَلُّلُهمَا، وَقِيلَ: لَوْ ذَبَحَ عَلَى طَرَفِ الحَرَمِ جَازَ، وَقِيلَ: مَا لَزِمَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لاَ يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ.
قال الرافعي: الدماء الواجبة على المحرم تنقسم إِلَى دَمِ الإحْصَار، وما لزم المحصر من دماء المَحْظُورات، وإلى سائر الدِّمَاء.
أما القسم الأول: فقد ذكرنا حكمه في فَصْلِ الإحصار.
وأما الثاني وهو المقصود في الكتاب: وإن كان اللفظ مطلقاً فيتقيد بالحرم، ويجب تخصيص لحومها بمساكين الحرم، ويجوز صرفها إلى القَاطِنِين والغرباء الطارئين، لكن الصرف إلى القَاطِنِين أَوْلَى.
وهل يختص ذبحها بالحرم؟ فيه قولان:
أصحهما: نعم، وبه قال أبو حنيفة، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أَشَارَ إِلَى مَوْضِعِ النَّحْرِ مِنْ مِنًى، وَقَالَ: هذَا النَّحْرُ وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ" (١).
ولأن الذبح حق متعلق بالهَدْي، فيختص بالحرم كالتصدق.
والثاني: لا يختص؛ لأن المقصود هو اللحم، فإذا وقعت تفرقته في الحرم وانصرف إلى مساكينه حصل الغَرَضُ. فعلى الأول: لو ذبح خارج الحرم لم يعتد به، وعلى الثَّاني: لو ذبح خارج الحرم ونقل إليه وفرقه جاز، لكن يشترط أن يكون النَّقْل والتفريق قبل تغيير اللحم، وإلى هذا أشار في الكتاب في العبارة عن هذا القول، حيث قال: (وقيل: لو ذبح على طرف الحرم جاز) ولا فرق فيما ذكرناه بين دم التَّمتع والقِرَان وسائر الدّماء الواجبة بسبب منشأ في الحرم، وبين الدماء الواجبة بسبب منشأ في الحل.
وفي القديم قول إن ما أنشئ سببه في الحل يجوز ذبحه وتفريقه في الحل كدم الإحصار وبه قال أحمد والمذهب الأول، واحتج له بقوله تعالى في جزاء الصيد:
(١) أخرجه أبو داود (١٩٠٧) ومسلم (١٢١٨).