"البيان" إشارة إلى هذه الطريقة الثالثة، والقولان في شراء الغائب وبيعه يجريان في إجارته، وفيما إذا أجّر بعين غائبة أو صالح عليها، أو جعلها رأس مال السَّلم في مجلس العقد، ولو أصدقها عيناً غائبة أو خالعها عليها أو عفا عن القِصَاص على عَيْنٍ غائبة صحَّ النِّكَاح، وحصلت البَيْنُونَة وسقط القصاص، وفي صحة المسمى القولان، فإن لم يصح وجب مهر المِثْل على الرجل في النكاح وعلى المرأة في الخُلْع، ووجبت الدِّيَة على المعفو عنه، ويجريان أيضاً في هبة الغائب ورهنه، وهما أولى بالصّحة؛ لأنهما ليسا من عقود المُغَابَنَات، بل الرَّاهن والواهب مَغْبُونَان لا محالة، والمُرْتَهن والمُتَّهب مرتفقان لا محالة، ولهذا قيل: إنا إذا صححناهما فلا خيار عند الرؤية إذ لا حاجة إليه.
الثانية: إذا لم نجوز شراء الغَائب وبيعه لم يجز بيع الأعمى وشراؤه، وإن جوّزناه فوجهان:
أظهرهما: أنه لا يجوز أيضاً، والفرق أنا إذا جوزنا شراء الغائب ثبت فيه خيار الرّؤية، وهاهنا لا سبيل إلى إثبات خيار الرؤية إذ لا رؤية، فيكون كبيع الغائب على شَرْط أن لا خيار.
والثَّاني: أنه يجوز، ويقام وصف غيره له مقام رؤيته، كما تقام الإِشَارة مقام النُّطْق في حق الأَخْرَس وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وقد يعبر عما ذكرنا بأن يقال في بيعه وشرائه طريقان:
أحدهما: أنه على قولي شراء الغائب.
والثاني: القطع بالمنع، وبنى يَانُون هذين الطريقين على أنه هل يجوز للبصير إذا صححنا منه شراء الغائب أن يوكل غيره بالرؤية وبالفسخ، أو الإِجَازة على ما يستصوبه؟ وفيه وجهان.
أظهرهما: أنه يجوز كالتوكيل في خيار العَيْب وخيار الحَلف.
والثَّاني: لا يجوز؛ لأن هذا الخيار مربوط بإرادة من له الخيار، ولا تعلُّق له بعرض ولا وصف ظاهر، فأشبه ما لو أسلم الكافر على عشر نسوة ليس له أن يوكّل بالاختيار، فإن صححنا التّوكيل خرج بيعه وشراؤه على قولي شراء الغائب، وإلاَّ قطعنا بالفساد؛ لأنه لو صح لتمكن منه جَهَالة لا نزول، ولما أفضى الأمر إلى قرار، وإذا قلنا: لا يصح بيع الأعمى وشراؤه، فلا يصح منه الإجَارة والرّهن والهِبَة أيضاً، وهل له أن يكاتب عبده؟ قال في التهذيب: لا.
وقال في التتمة: المذهب أن له ذلك تغليباً للعتق، ويجوز له أن يؤجِّر نفسه وللعبد الأعمى أن يشتري نفسه وأن يقبل الكتابة على نفسه؛ لأنه لا يجهل نفسه ويجوز