للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له أن ينكح وأن يزوج موليته تفريعاً على أن العَمَى غير قَادِح في الوِلاية، والصداق عين مال لم يثبت المسمّى، وكذلك لو خالع الأعمى على مال، وأما إذا أسلم في شيء أو باع سَلماً إليه فينظر إن عمي بعد ما بلغ سن التَّمييز، فهو صحيح، لأن السلم يعتمد الأوصاف، وهو -والحالة هذه- مميز بين الألوان ويعرف الأوصاف، ثم يوكل من يقبض عنه على الوصف المشروط، وهل يصح قبضه بنفسه؟ فيه وجهان:

أصَحُّهما: لا، لأنه لا يميز بين المستحق وغيره، وإن كان أَكْمَه أو عَمِيَ قبل ما بلغ سن التَّمييز فوجهان:

أحدهما: أنه لا يصح سلمه، لأنه لا يعرف الألوان ولا يميز بينها، وبهذا قال المُزَنِيّ، ويحكى عن ابن سريج وابن خَيْرَان وابن أبي هريرة أيضاً، واختاره صاحب "التهذيب". وأصحهما عند العراقيين وغيرهم ويحكى عن أبي إسحاق المروزي، وبه أجاب في الكتاب: أنه يصح؛ لأنه يعرف الصفات والألوان بالسَّماع، ويتخيل فرقاً بينهما، فعلى هذا إنما يصح إذا كان رأس المال موصوفاً غير معين في المجلس.

أما إذا كان معيناً فهو كبيع العَيْن الغائبة. وكل ما لا نصححه من الأعمى من التصرفات فسبيله أن يوكل عنه، ويحتمل ذلك للضرروة (١) -والله أعلم-.

ولترجع إلى ما يتعلّق بلفظ الكتاب من الفوائد.

قوله: "الصفة ... " إلى قوله: "فأبطل بيع ما لم ير وشراءه"، جواب على طريقة طَرْد القولين في البيع والشراء وهو الأشهر.

قوله: "ولعله أصح القولين" إنما فرض القول فيه، لأن طائفة من أصحابنا مالوا إلى قول التصحيح وأفتوا به، وقد تابعهم صاحب "التهذيب" والروياني عليه.

وعن الخُضَرِيّ: أنه كان لا يجزم بالفساد إذا سئل عن بيع الغائب، بل يقول: إن لم يصح الخبر فالقياس فساده.

وقوله: "على القولين": يخرج شراء الأعمى مصيراً إلى طرد القولين في شراء الأعمى، وليكن معلّماً بالواو للطريقة القاطعة بالمنع، وإليها ذهب الأكثرون وقوله: "إنه يقدر على التَّوْكيل" إشارة إلى ما سبق من مضي الطَّرِيقين، وجعله الصِّحَّة أصح الوجهين غير منازع فيه، لكن ذهاب الأكثرين إلى القطع بالمنع يُشَوِّشُ ذلك البناء، لأن قياس ترجيح وجه الصِّحة يرجح طريقة القولين.


(١) لو كان الأعمى رأى شيئاً مما لا يتغير. صح بيعه وشراؤه إياه إذا صححنا ذلك من البصير وهو المذهب. ينظر الروضة (٣/ ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>