الوجه الثالث: ما قيل إن السبب في تحريم عقد الربا أنه يقضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض لأن الربا إذا حرم طابت النفوس بقرض الدرهم واسترجاع مثله. ولو حل الربا لكانت حاجة المحتاج تحمله على أخذ الدرهم بدرهمين فيفضي ذلك إلى انقطاع المواساة والمعروف والإحسان. الوجه الرابع: أن الغالب أن يكون المقرض غنياً والمستقرض فقيراً فالقول بتجويز عقد الربا تمكين للغني من أن يأخذ من الفقير الضعيف مالاً زائداً وذلك غير جائز برحمة الرحيم. ومما يبين حكمة تحريم الربا المضارّة بالمجتمع الإنساني. وآثاره السيئة في العمران ما نقله صاحب المنار في تفسيره عن الشيخ محمد عبده حيث قال: قال الأستاذ الإمام في الدرس ما مثاله: يقول كثير من الناس الدين تعلموا وتربوا تربية عصرية وأخذوا الشهادات من المدارس بل ومنهم أكبر من هؤلاء إن المسلمين منوا بالفقر وذهبت أموالهم إلى أيدي الأجانب وفقدوا الثروة والقوة بسبب تحريم الربا فإنهم لاحتياجهم للأموال يأخذونها بالربا من الأجانب ومن كان غنياً منهم لا يعطي بالربا فمال الفقير يذهب ومال الغني لا ينمو. ويجعلون هذه المسألة أهم المسائل الاجتماعية والعمرانية عند المسلمين يعنون أنه ما جنى على المسلمين إلا دينهم قال: وهذه أوهام لم تقل عن اختيار فإن المسلمين في هذه الأيام لا يحكمون الدين في شيء من أعمالهم ومكاسبهم ولو حكموه في هذه المسألة لما استدانوا بالربا وجعلوا أموالهم غنائم لغيرهم. فإن سلمنا أنهم تركوا أكل الربا لأجل الدين فهل يقول المشتبهون إنهم تركوا الصناعة والتجارة والزراعة لأجل الدين؟ ألم تسبقنا جميع الأمم إلى إتقان ذلك فلماذا لم نتقن سائر أعمال الكسب لنعوض منها على أنفسنا ما فاتنا من كسب الربا المحرم علينا وديننا يدعونا إلى أن نسبق الأمم في اتقان كل شيء؟ الحق أن المسلمين في الأغلب قد نبذوا الدين ظهرياً فلم يبق عندهم منه إلا تقاليد وعادات أخذوها بالوراثة عن آبائهم ومعاشريهم فمن يدَّعي أن الدين عائق لهم عن الترقي فقد عكس القضية وأضاف إلى جهالاتهم شراً منها وإنما يجيء هذا من عدم البصيرة والتأمل في حال الأمة من بدايتها إلى ما انتهت إليه ولو عرفت الأمة نفسها لطرفت ماضيها كما تعرف حاضرها ولكن جهلها بنفسها وعدم قراءة ماضيها هو الذي أوقعها فيما هي فيه من البلاء العظيم فهي لا تدري من أين أخذت ولا كيف سقطت بعد ما ارتفعت. أقول: يعني أنها ارتفعت بالدين وسقطت بتركه مع الجهل بالسبب وأفضى بها الجهل إلى أن صارت تجعله علة الرقي والارتفاع هي عين العلة والسقوط والانحطاط ومن ذلك استدانة أفرادنا وحكوماتنا من الأجانب بالربا فإنها أضاعت قوتنا وملكنا، وكان الدين لو اتبعناه عاصماً منها فنحن ننسى مثل هذه الفائدة الكبرى للدين في الموضوع نفسه ونذكر من سيئات الدين أنه حرم الربا. ولو لم يحرمه لجاز أن يكسب بعض أغنيائنا أكثر مما يكسبون الآن. وقد أشار الأستاذ إلى هذا المعنى فقال: إن أثر الربا فينا لا يمكننا أن نزيله بمئات من السنين ولو أننا حافظنا على أمر الدين فيه لكنا بقينا لأنفسنا: فتأمل قوله بقينا لأنفسنا. وقال في تفسير: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} الخ ما مثاله: مسألة الربا مسألة كبيرة اتفقت فيها الأديان ولكن =