للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ النَافِلاَتِ" وما رويا أيضاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، فعده من الموبقات المحبطات للعمل التي أمر باجتنابها يجعله من الكبائر كما أن لعن فاعله والمعاون عليه بكتابة أو شهادة فيه من تفظيع جريمته ما هو كفيل بعدم قربانه. وأما الإجماع. فقد أجمعت الأمة سلفاً وخلفاً على أن الربا محرم ولم يوجد مخالف لهذا الإجماع. حكمة تحريم الرَبا ويرى بعض الفقهاء أن تحريم الربا من الأمور التعبدية أي تعبدنا الشارع به ولم تظهر لنا حكمته وإن كان في الواقع لا يخلو عن حكمة غير أننا لم نطلع عليها وما علينا إلا أن نمتثل أمر الشارع ونهيه. ولكن من ينظر في الشريعة الإسلامية نظرة فحص وتأمل يرى من الواضح أنها قد امتازت بمميزات خلقية وعمرانية تجَلت في التشريعات المختلفة. من ذلك ما هو ملموس في تحريمها الخمر والميسر حفظاً للعقول وصيانة للأموال. وضنا بالإنسان عن العبث الذي لا يناسب العقلاء وكذلك ما يشاهد في إباحة السلم من حكمة رائعة إذ يعود على المعوزين بتفريج كربتهم مع صون حق رب المال في الاسترباح المشروع وعلى هذا النمط جاء تحريمها الربا على الآخذ والمعطي دفعاً لما يجره التعامل به من الشحناء والبغضاء واستئصال المعروف والتعاون من النفوس وحلول الأنانية والشره مكانهما، إذ من لا يعطي إلا بالزيادة يقتطع نفسه من المجتمع الإنساني اقتطاعاً ويسلب إنسانيته ويلحق بالحيوانات الضارية التي لا تحب أن يشاركها في فريستها حيوان آخر. هذا فضلاً عما يسببه الربا من العطلة وعدم الميل للعمل والانصراف عن الزراعة والصناعة والركون إلى استقلال إخوانه المسلمين وغبنهم غبناً قهرياً لا مبرر له. ويحسن هنا أن نسوق عبارة الدهلوي في كتابه: "حجة الله البالغة" حيث يقول: "وسر التحريم أن الله تعالى يكره الرفاهية البالغة كالحرير والارتفاقات المحوجة إلى الإمعان في طلب الدنيا كآنية الذهب والفضة وحلى غير مقطع من الذهب كالسوار والخلخال والطوق والتدقيق في المعيشة والتعمق فيها لأن ذلك مرد لهم في أسفل السافلين وصارف لأفكارهم إلى ألوان مظلمة وحقيقة الرفاهية طلب الجيد من كل ارتفاق والإعراض عن رديئه. كما نذكر عبارة الفخر الرازي حيث يقول: "قد ذكروا في سبب تحريم الربا وجوهاً:
الوجه الأول: أن الربا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض لأن من يبيع الدرهم بالدرهمين نقداً أو نسيئة يحصل له زيادة درهم من غير عوض، ومال الإنسان متعلق حاجته وله حرمة عظيمة قال -صلى الله عليه وسلم-: "حُرْمَةُ مَالِ المسلمِ كَحُرْمَةِ دَمِّهِ" فوجب أن يكون أخذ ماله من غير عوض محرماً. فإن قيل لم لا يجوز أن يكون بقاء رأس المال في يده مدة مديدة عوضاً عن الدرهم الزائد: وذلك لأن رأس المال لو بقي في يده هذه المدة لكان يمكن المالك أن يتجر فيه ويستفيد بسبب تلك التجارة ربحاً فلما تركه في يد المدين وانتفع المدين به لم يبعد أن يدفع إلى رب المال وذلك الدرهم الزائد عوضاً عن انتفاعه بماله. قلنا إن هذا الانتفاع الذي ذكرتم أمر موهوم قد يحصل وقد لا يحصل، وأخذ الدرهم الزائد أمر متيقن فتفويت المتيقن لأجل الأمر الموهوم لا ينفك عن نوع ضرر.
الوجه الثاني: ما قاله بعضهم من أن الله تعالى حرم الربا من حيث إنه يمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بوساطة عقد الربا من تحصيل درهم زائد نقداً كان أو نسيئة خف عليه اكتساب وجه المعيشة فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة =

<<  <  ج: ص:  >  >>