للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمهور العلماء، لكن الربا ثبت فيها لمعنى، فيلحق بها ما يُشَارِكُهَا فيه.

فأما الأشياء الأربعة، فللشافعي -رضي الله عنه- قولان في علْة الرِّبا فيها: الجديدة: أن العلَّة هو الطعم (١)، لما روى معمر بن عبد الله قال: كنت أسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلٌ بِمِثْلِ" (٢) علّق الحكم باسم الطعام، والحكم المعلّق بالاسم المشتق معلَّل بما منه الاشتقاق، كالقطعِ المعلّق باسم السارق، والجَلْد المعلق باسم الزَّاني. والقديم: أن العلة فيها الطعم، مع الكيل والوزن.

واحتجوا له بما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الذَّهَبُ بالذَّهَبِ وَزْنًا بوَزْنٍ، وَالبُرُّ بالبُرِّ كَيْلاً بِكَيْلِ" (٣).

فعلى هذا يثبت الربا في كل مطعوم مَكِيل أو موزون، دون ما ليس بمكيل ولا موزون كالسَّفَرْجَلِ، والرُّمَّانِ والبَيْضِ والجُوزِ والأتْرُجِّ والنَّارِنْجِ.

وعن الأَوْدَنِيِّ من أصحابنا: أنه تابع ابْنَ سِيْرينَ في أن العلّة الجنسية، حتى لا يجوز بيع مال بجنسه متفاضلاً.

وقال مالك: العلة الاقْتيات، فكل ما هو قُوْت أو يستصلح به القوت يجري فيه الربا، وقصد بالقيد الثاني إدراج الملح.

وقال أبو حنيفة: العلَّة الكَيْلُ حتى يثبت الرِّبَا في الجَصِّ والنُّورَةِ وسائر المكيلات. وعن أحمد روايتان:

إحداهما: كقول أبي حنيفة.

والأخرى: كقول الشافعي -رضي الله عنه- الجديد. وإذا علّلنا بالطعم، إما مع انضمام التقدير إليه أو دونه تعدي الحكم إلى كل ما يقصد ويعد للطعم غالباً إما تَقَوُّتا أو تأدُّماً، أو تَفَكُّهاَ أو غيرها، فيدخل فيه الحُبُوب والفَوَاكِه، والبقول والتوابل وغيرها، ولا فرق بين ما تؤكل نادراً كالبَلُّوط والطَّرْثُوث (٤) أو غالباً، ولا بين أن يؤكل وحده أو مع غيره، وفي الزَّعْفَران وجهان:

أصحهما: أنه يجري فيه الربا، لأن المقصود الأظهر منه الأكل تَنَعُّماً أو تَدَاوِيَا إلاَّ أنه يخلط بغيره.


(١) الطعم بضم الطاء هو الأكل، تقول قد طعمه أي أكله، وطعم يطعم طعماً على وزن شرب يشرب شرباً إذا أكل قاله الجوهري.
(٢) أخرجه مسلم (١٥٩٢).
(٣) أخرجه البيهقي.
(٤) نبات دقيق مستطيل يضرب إلى الحمرة، وهو دباغ للمعدة يجعل في الأدوية منه مُرّ ومنه حلو ينظر المصباح المنير (١/ ٥٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>