أحدهما ربوياً فلا تجب رعاية التَّمَاثل ولا الحلُول [ولا التَّقَابض](١)، ولا فرق في ذلك بين أن يتَّفق الجنس أو يختلف، حتى لو أسلم ثوباً في ثوب أو ثوبين، أو باع حيواناً بحيوانين من جنسه جاز.
(١) وقد وردت في السنة عدة أحاديث تدل على أنه يشترط في بيع بعض الأجناس شروط خاصة زيادة على ما يشترط في البيع عامة، وهذه الأجناس ستة: القمح، والشعير، والتمر، والملح، والذهب، والفضة. فإذا بيع بعض جنس منها ببعضه اشترط الحلول والتقابض في المجلس والتماثل كيلاً إن كانا مما يكال ووزناً إن كان مما يوزن. والبيع بعض جنس من الأربعة المطعومة ببعض جنس آخر منها أو بيع الذهب بالفضة اشترط الحلول والتقابض فقط، فإن لم يتحقق في جنس الشروط المذكورة كان البيع فاسداً وكان من الربا المحرم شرعاً، وقد أطال الفقهاء في بيان أحكام بيع هذه الأجناس، وجرى الخلاف بين العلماء هل هذا الحكم خاص بالأجناس الستة المذكورة أم يتحقق في غيرها مما يشبهها؟ فحكي عن طاوس وقتادة أنهما قصرا الربا على هذه الأجناس، وهذا مذهب داود وجميع أهل الظاهر، ونفاة القياس وقالوا: ما عدا هذه الأجناس يبقى بيعها على أصل الإباحة بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}. ورأى غير الظاهرية أن حكم الربا غير خاص بهذه الأجناس الستة، بل يتعداها إلى الأجناس التي تشبهها في علة الربا ولكنهم اختلفوا في علة الربا في هذه الأجناس. فريق يقرر أن العلة الطعم في المطعوم والثمنية في الذهب والفضة، وفريق يرى أن العلة في الموزون والكيل في المكيل من المطعومات والنقدين، وفريق يرى أن العلة الوزن في الموزون والكيل في المكيل وإن لم يكن مطعوماً ولا نقداً كالقطن والصوف وترجع أنواع الربا في الجملة إلى ثلاثة: ربا الفضل، وربا النسيئة، وهذان يحرمان في الأجناس المذكورة، ويزاد عليهما نوع ثالث هو ربا القرض، وهو الزيادة التي يأخذها المقرض، وهذه الأنواع توعد الله سبحانه وتعالى على عدم تركها بالحرب في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} كما توعد عليه بأشد العذاب في قوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. والذي يهمنا أن ننبه عليه أن الربا الحاصل في هذا الزمان في المعاملات الحديثة مع البنوك أو الشركات أو المصالح أو الأفراد، إنما هو ربا القرض لا ربا بيع الأجناس التي ذكرناها. فإيداع الأفراد لأجل معين نظير فائدة معينة تقابل ما سيحصل عليه البنك من استثمار هذه النقود في المدة المتفق عليها ويزيد مقدار الفائدة كلما زادت المدة المحدودة للإيداع. وإيداع آخر: إيداع النقود بإخطار، أي لا يستطيع المودع أن يسحب من البنك مما أودعه إلا بعد أن يخطر البنك بمدة تحدد في الاتفاق كأسبوعين في الغالب ويأخذ المودع في سبيل هذا الإيداع فائدة تقل نسبياً عن فائدة الإيداع لأجل. فالحكم في هذين النوعين من الإيداع أنهما ربا إذ يتقاضى المودع فائدة على أمواله المودعة مع وجود المداينة بين البنك والمودع. فالمودع في النوع الأول دائن للبنك بمبلغ محدود الأجل، وهذا في النوع الثاني دائن للبنك بمبلغ يحل هو أو بعضه بعد مضي المدة المتفق عليها بعد الإخطار، ويتقاض كل منهما فائدة عن دينه بنسبة مبلغ الدين ومقدار الأجل، وهذا أم ولا شك، وقد خالف في ذلك اتباعاً لهواه أو دنيا مؤثرة أو إعجاباً برأيه. ونسأل الله العلي القدير أن يجنبنا مواطن الزلل. آمين آمين.