والثالث وهو الأشبه: أنه ينظر إلى عادة الوقت؛ لأن الشيء إذا لم يكن محدوداً في الشَّرع كان الرجوع فيه إلى عادة النَّاس كما في القبض والحِرْز، وعلى هذا فالمعتبر آية بلدة؟ عن الشيخ أبي حامد، وغيره؛ أن المعتبر عادة أكثر البلاد فإن اختلفت عاداتها ولا غالب اعتبر ذلك الشيء بأشبه الأشياء به.
وذكر صاحب "المهذب" و"التهذيب" أن النظر إلى عادة بلد البيع هو الأحسن.
والوجه الرابع: أنه يعتبر بأقرب الأشياء شبهاً به، كما إذا شككنا في الحيوان أنه مُسْتَطَاب أو مستخبث نلحقه بأقرب الأشياء شبهاً به.
والخامس: حكاه الإمام عن شيخه: أنه تثبت الخيرة بين الكيل والوزن.
ثم منهم من خَصَّص هذا الخلاف بما إذا لم يكن لِلشيء أصل معلوم المِعْيَار، أما إذا استخرج من أصل هذا حاله فهو معتبر بأصله، ومنهم من أطلق.
ومما أفاده الإمام في هذا الموضع أنه لا فرق بين المِكْيال المعتاد في عصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسائر المَكَاييل المحدثة بعده، كما أنا إذا عرفنا التَّسَاوي بالتَّعْديل في كفتي الميزان نكتفي به، وإن لم نعرف قدر ما في كل كَفَّة.
وفي الكيل بالقَصْعة ونحوها مما لا يعتاد الكيل به حكاية تردد عن القَفْال، والظاهر الجواز والوزن بالطّيار والقَرْسَطُون وزن.
وقد يتأتى الوزن بالماء بأن يوضع الشَّيء في ظَرْف ويلقى على الماء، وينظر إلى مقدار غوصه لكنه ليس وزناً شرعياً، ولا عرفياً.
والظاهر: أنه لا يجوز التَّعويل في الربويات عليه (١) -والله أعلم-.
هذا كله في الشَّيء المقدر يباع بجنسه.
فأما ما لا يقدر بكيل ووزن كالبَطِّيخ والقِثَّاء والرُّمان والسَّفَرْجَل.
فإن قلنا مثل هذا لاربا فيه جاز بيع بعضه ببعض، كيف شاء.
حتى قال القَفَّال لو جُفف شيء منها، وكان يوزن في جفافه لم يجر، فيه الربا أيضاً؛ لأن أكمل أحواله حال الرطوبة، وهو ليس مال ربا في تلك الحالة.
قال الإمام: والظاهر خلاف هذا، فإنه في حال الجَفَاف مطعوم مقدر.
وإن قلنا: فيه الربا وهو القول الجديد وكلام الكتاب مفرع عليه فيجوز بيعه بغير
(١) قد عوّل أصحابنا عليه في أداء المسلم فيه وفي الزكاة في مسألة الإناء بعضه ذهب وبعضه فضة وقد ذكرناه في بابه ولكن الفرق ظاهر. ينظر الروضة (٣/ ٤٦).