قال: والمعتمد عني في التَّعليل أنا تعبَّدنا بالمماثلة تحقيقاً.
وإذا باع مدّاً ودرهماً بمدين، لم تتحقق المماثلة فيفسد العقد.
ولناصريها أن يقولوا: أليس قد ثَبَتَ التوزيع المفصل في مسألة الشفعة؟ ولولا كونه قضية للعقد لكان ضم السَّيف إلى الشِّقْص من الأسباب الدَّافِعَة للشُّفْعة، فإنها قَدْ تندفع بأسباب وعوارض.
وأما قوله: "إنا تعبدنا بتحقيق المماثلة". فللخصم أن يقول: تعبدنا بتحقيق المماثلة، فيما إذا تمحضت مقابلة شيء منها بجنسه أو على الإطلاق، إن قلت بالثاني فممنوع، وإن قلت بالأول فسلم، لكنه ليس صورة المسألة، فهذا نقل المذهب المشهور وتوجيهه.
ومن الأصحاب من صحَّح العقد فيما إذا باع مد عجوة ودرهماً بمد عجوة ودرهم، والدِّرهمان من ضَرْب واحد، والمدان من شَجَرة واحدة، وفيما إذا باع صاع حِنْطة وصاعَ شعير بمثلهما وصاعا الحِنطة من صُبْرَة واحدة، وصاعا الشعير كذلك مع العلم باتحاد القيمة. ويحكى هذا عن القَاضِي أبي الطَّيِّب الطَّبَرِي والقاضي الحسين وذكر الرُّوياني في "البحر": أنه المذهب وغلط من قال غيره.
ومن صور هذا الأصل: أن يبيع ديناراً صحيحاً وديناراً مكسوراً بدينار صحيح وآخر مكسَّر أو بصحيحين أو بمكسَّرين، إذا كانت قيمة المكسَّر دون قيمة الصحيح.
وعن صاحب "التقريب" حكاية وجه: أن صفة الصِّحَّة في محل المُسَامحة، ثم الأئمة أطلقوا القول بالبطلان في حكايتهم عن المذهب المشهور.
وذكر أبو سعيد المُتَوَلِّي: أنه إذا باع مدّاً ودرهماً بمدين، يبطل العقد في المدّ المضموم إلى الدرهم، وفيما يقابله من المدَّين، وهل يبطل في الدرهم وما يقابله من المدَّين؟
فيه قَوْلاَ تَفْرِيقِ الصَّفقة، وعلى هذا قياس ما لو باعهما بدرهمين، أو باع صاع حِنْطة وصاع شعير بصاعي حِنْطَة أو صاعي شعير، ويمكن أن يكون كلام من أطلق محمولاً على ما فصّله.
ولو كان الجيد مخلوطاً بالرديء، فباع صاعاً منه بمثله أو بِجَيِّد أو رديء جاز لأن التوزيع إنما يكون عند تمييز أحد العوضين بالآخر.
أما إذا لم يتميز فهو كما لو باع صاعاً وسطاً بِجَيِّد أو رديء.
واعلم: أن صورة البطلان مفروضة فيما إذا قابل جملة ما في أحد الطرفين بجملة ما في الطرف الآخر.