وأما عند التفصيل كما إذا تبايعا مدّ عَجْوة ودرهماً بمد ودرهم، وجعلا المدّ في مقابلة المدّ والدِّرهم في مقابلة الدِّرهم أو جعلا المدَّ في مقابلة الدرهم والدرهم في مقابلة المدّ، فيجوز ذلك بمثابة صنفين متباينين.
القسم الثاني ولم يذكره في الكتاب: أن يكون مال الربا من الطرفين من جنسين، وفي الطرفين أو أحدهما شيئاً آخر، فينظر إن اختلف العِوَضَان في علة الربا، فيجوز كما إذا باع ديناراً أو درهماً، بصاع حِنْطة أو صاع شَعِير.
وإن اتفقا، فإن كان التَّقَابض شرطاً في جميع العوض جاز أيضاً، كما لو باع صَاعَ حِنْطَة وصاع شعير بصاعي تمر أو صاع تمر وصاع ملح، وإن كان التَّقابض شرطاً في البعض كما لو باع صاع حِنْطة ودرهماً بصاعي شعير، ففيه قولاً الجمع بين مختلفي الحكم؛ لأن ما يقابل الدرهم من الشعير لا يشترط فيه التقابض، وما يقابل الحِنْطة منه يشترط فيه التقابض.
وأما لفظ الكتاب فقوله:"ولا يصح بيع الهَرَوِيّ بالهَرَوِيّ"، الهرويّ: نقد فيه ذهب وفضة، فيبيع بعضه ببعض بيع ذهب وفضة بذهب وفضة.
وقوله:"لأن حقيقة المماثلة غير معلومة" وجهه ما ذكرناه في "المُرَاطَلَة" من بعد.
وقوله:"ولو راطل مائتي" لفظ الشافعي -رضي الله عنه- فمعناه إذاً قوله:"ولا يصح بيع الهَرَوِيّ" معلّم بالحاء، وكذا قوله في مسألة المُرَاطَلَة لم يجز؛ لأن عند أبي حنيفة يصح البيع فيهما، وفي جميع الصور التي ذكرناها، حتى قال: لو باع قرطاساً وديناراً فيه بمائة دينار يصح، وقوله:"لم يجز" معلم بالألف أيضاً، لأن عند أحمد لا يضر اختلاف النوع والصفة بعد اتحاد الجنس، وبالواو لأن صاحب "البيان" حكى عن بعض أصحابنا مثله، وأيضاً فإن الإمام رأى الصِّحَّة في مسألة المُرَاطَلَة.
هذا مع تنصيصه على أنه رَأْيٌ رآه خارج عن مذهب الشافعي -رضي الله عنه- وأصحابه.
وقوله:"تخمين وجهل" أراد بالجهل هاهنا عدم العلم، وإلا فالجهل معناه المشهور هو الجزم، يكون الشيء على خلاف ما هو عليه ضد الظَّن والتَّخمين، فلا يكون الشيء تخميناً وجهلاً بذلك المعنى:
وقوله:"فمهما اشتملت الصفقة ... " إلى آخره محمول على الجنس الواحد، وتقديره مهما اشتملت الصفقة على الجنس واحد من أقوال الربا، وإلا انتقض الضَّابط بما إذا باع ذهباً وفضة بحِنْطة أو بحنطة وشعير، وبما إذا باع حنطة وشعيراً بتمر أو بتمر ومِلْح.