قال الرافعي: أموال الربا تنقسم إلى ما يتغير من حال إلى حال وإلى ما لا يتغير، والَّتِي تتغيَّر منها تعتبر المماثلة في بيع الجنس بالجنس منها في أكمل أحوالها، فمن المتغيرات الفواكه، فتعتبر المماثلة في المُتَجَانسين منها حالة الجَفَاف، ولا يغني التَّمَاثل في غير تلك الحالة.
روي عن سعد بن أبي وقاص أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عن بيع الرُّطَب بالتمر فقال:"أَيَنقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبَسَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَلاَ إِذاً"(١).
ويروى "فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ"، أشار النَّبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله:"أَيْنَقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبَسَ؟ " إلى أن المماثلة عند الجفاف تعتبر، ونبَّه به على علة فساد بيع الرطب بالتمر، وإلا فنقصان الرطب إذا جف أوضح من أن يبحث أو يسأل عنه.
إذا تقرر ذلك فلا يجوز بيع الرُّطَب بالتَّمْر ولا بالرطب. أما بالتمر فليقين التفاوت عند الجفاف. وأما بالرطب فللجهل بالمماثلة؛ لأنه لا يعرف قدر النُّقصان منهما، وقد يكون قدر الناقص من أحدهما أكثر من الآخر، وكذا لا يجوز العِنَبِ بالعنب وبالزبيب، وكذا كل ثمرة لها حالة الجَفَاف كالتِّين والمِشْمش والخوخ والبَطِّيخُ والكُمَّثْرَى الذين يفلقان والإجاصُ والرُّمَّان الحَامِض، لا يباع رطبها برطبها ولا بيابسها، ويجوز بيع الحديث بالَعَتِيق، إلاَّ أن تبقى النَّدَاوة في الجديد، بحيث يظهر أثر زوالها في المكيال.
وأما ما ليس له حالة جفاف كالعنب الذي لا يتزبب، والرطب الذي لا يتتمَّر، والبطيخ والكمثري الذين لا يفلقان والرُّمَّان الحلو والبَاذِنْجَان والقَرْع والبُقُول، ففي بيع بعضها ببعض قولان ذكرناهما من قبل.
وعند أبي حنيفة: يجوز بيع الرطب بالتمر وبالرطب وكذا في نظائره، وساعدنا مالك وأحمد على منع بيع الرطب بالتمر، وساعدا أبا حنيفة على تجويز بيع الرُّطَب بالرُّطب وبه قال المُزَنِّي.
ويستثنى عن بيع الرطب بالتمر صورة العَرَايا، وهي مذكورة من بعد.
قوله:"وكذا كل فاكهة كمالها بعد جفافها"، يجوز إعلامه بالواو؛ لأن الإمام حكى وَجْهاً في المشْمِش والخوخ، وما لا يعم تجفيفه عموم تجفيف الرطب؛ أنه يجوز بيع بعضها ببعض في حال الرطوبة، لأن رطوبتها أكمل أحوالها، والتَّجْفيف في حكم النادر.
(١) أخرجه مالك في الموطأ (٢/ ٥٣) والشافعي (١٣٠٤) وأحمد (١/ ١٧٥، ١٧٩) وأبو داود (٣٣٥٩) (٣٣٦٠) والترمذي (١٢٢٥) وقال: حسن صحيح، والنسائي (٧/ ٢٦٨) وابن ماجة (٢٢٦٤).