وأما ما أجراه من لفظ "الادِّخَار فإن طائفة من الأصحاب ذكروه وآخرون أعرضوا عنه، ولا شك أنه غير معتبر لحالة التماثل في جميع الربويات، ألا ترى أن اللبن لا يدخر، ويباع بعضه ببعض؟ فمن أعرض عنه فذاك، ومن أطلقه أراد اعتباره في الفَوَاكِه والحبوب لا في جميع الربويات فاعرف ذلك.
إحداهما: مَا قبل التنقية من القِشْر والتِّبْن، وسيأتي حكم بيعها فيهما -إن شاء الله تعالى-.
والثانية: ما بعدها فيجوز بيع بعضها ببعض ما بقيت على هيئتها بشرط تَنَاهي جَفَافها، فإذا بطلت تلك الهيئة فقد خرجت عن حالة الكمال، فلا يجوز بيع الحِنْطة بشيء مما يتخذ منها من المَطْعُومات كالدَّقِيق والسُّوَيْق والخُبز والنِّشَا، ولا بما فيه شيء مما يتخذ من الحِنْطة كالمصل ففيه الدَّقيق والفَالُوذَج ففيه النِّشَا.
وكذا لا يجوز بيع هذه الأشياء بعضها ببعض لخروجها عن حالة الكمال، وعدم العلم بالمماثلة، ولو كان العوضان على حالة الكمال هذا ما يفتى به من المذهب.
ونقل الحسين وهو المعروف بـ"الكَرَابِيِسيّ" عن أبي عبد الله: تَجْوِيز بيع الحِنْطَة بالدَّقيق، فمنهم من جعله قولاً آخر للشَّافعي -رضي الله عنه-، وبه قال أبو الطَّيب بن سلمة، ووجهه بأن الدقيق نفس الحنطة، إلاَّ أَنَّ أجزاءها قد تفرقت، فأشبه بيع حِنْطَة صغيرة الحَبَّات بحِنْطَة كبيرة الحَبّات، وعلى هذا فالمِعْيار الكيل.
ومنهم من لم يثبته قولاً، وقال: أراد بأبي عبد الله مالكاً -رضي الله عنه- وأحمد. وجعل الإمام منقول الكَرَابِيسيّ شيئاً آخر: وهو أن الدقيق مع الحِنْطَة جنسان، حتى يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً، ويشبه أن يكون هو منفرداً بهذه الرواية.
وحكى البُوَيطي والمُزَنِي في "المنثور" قولاً: أنه يجوز بيع الدقيق بالدقيق، وإن