قاله في "التهذيب"، وهو متوسط بين وجهين أطلقهما العراقيون.
فحكوا عن المنصوص: أنه يوزن، وعن أبي إسحاق: أنه يكال، ويجوز بيع المَخيض بالمَخِيض إذا لم يكن فيهما ماء، ومال المُتَوَلِّي إلى المنع، لأنه ليس على حالة الادخار، ولا على حال كمال المنفعة، فليكن كبيع الدقيق بالدقيق، ولا يجوز بيع الأَقِط بالأَقِط والمَصْل بالمَصْل والجُبْن بالجُبْن لتأثرها بالنَّار ولأنها لا تخلو عن مخالطة شيء، فالملح خليط الأقط، والدقيق خليط المصل، والانْفَحَة خليط الجبن، وهل يجوز بيع الزُّبْد بالزُّبْد؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم، كبيع السَّمن بالسَّمن.
وأصحهما: لا، لأن الزُّبد لا يخلو عن قليل مَخِيض، وأنه يمنع معرفة المُمَاثلة، وعلى هذا لا يجوز بيعه بالسَّمْن لتحقُّق المفاضلة، ولا يجوز بيع اللَّبَن بكل ما يتخذ منه من السَّمن والمَخِيض وغيرهما كبيع الحِنْطة بما يتخذ منها.
وقوله في الكتاب:"وكمال منفعة اللبن أن يكون لبناً أو سمناً أو مخيضاً، لا يمكن إجراؤه على ظاهره، لأنه ليس كونه لبناً كمال منفعته، وإنما هو حال منفعته، ولو طرح لفظ "المنفعة" وقال: حال كمال اللبن: أن يكون لبناً أو مخيضاً أو سمناً لكان أولى، ويجوز إعلام قوله: "دون ما عداه من أحواله" بالواو للوجه المذكور في الزبد.
الرابعة: المعروض من مال الرِّبا على النَّار ضربان:
أحدهما: المعروض للعقد والطَّبخ كالدِّبْس واللَّحم المَشْوِي، وفي جواز بيع الدِّبْس بمثله وجهان:
أحدهما: يجوز، لإمكان ادِّخاره، ولتأثير النار فيه غاية يعرفها أهل البَصَر.
وأصحهما: وهو المذكور في الكتاب: أنه لا يجوز، لأن النار تأخذ بعض العصير فيصير دِبْساً، وقدر المأخوذ منه يختلف اختلافاً بيناً، فلا ندري المُمَاثلة بين أجزاء العَصِير، وفي بيع السكر بالسكر، والفاسد بالفاسد، واللَّباء باللَّباء وجهان كما في الدِّبْس. ولا يجوز بيع قصب السكر بقصب السكر ولا بالسكر كبيع الرطب بالرطب والتمر بالتمر. وأَمَّا اللحم إذا بيع بجنسه، فإن كانا طَرِبين أو أحدهما لم يجز، لأن معظم منافع اللحم تنتفي بعد التقديد فهو كالرطب والعنب.
وعن ابن سُرَيج: أنه يجوز كبيع اللبن باللبن، وإن كانا مُقَددين جاز، إلا أن يكون فيهما أو في أحدهما من المِلْح ما يظهر في الوزن.
قال الأئمة: ويشترط أن يتناهى جَفَافه بخلاف التمر يباع الحديث منه بالحديث وبالعَتِيق؛ لأنه مكيل وأثر الرُّطُوبة الباقية لا تظهر في المِكْيال، واللحم موزون وأثر