للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّطُوبة يظهر في المِيْزَان، هذا إذا لم يكن اللَّحْم مطبوخاً أو مشوياً. أما المَطْبُوخ والمَشْوِي فلا يجوز بيعها بمثلها ولا بالنَّي لما ذكرنا من اختلاف تأثير النار. وعن أَبِي حَنيفَة: يجوز بيع المَطْبُوخ بالنَّي متماثلاً. وعن مالك: تجويزه متماثلاً ومتفاضلاً.

الضَّرب الثاني: المعروض للتمييز والتنقية فهو على حالة الكمال يجوز بيع بعضه ببعض كالسمن على ما مر، وكالذهب والفضة يعرضان على النار لتمييز الغِشّ، وفي العسل المصفَّى بالنار وجهان:

أحدهما: أنه خارج عن الكمال، لأن النَّار قد تعقد أجزاءه.

وأظهرهما وهو المذكور في الكتاب: أنه على الكمال؛ لأن المقصود من عرضه تمييز الشَّمع عنه، ونار التمييز لينة لا تؤثر في التَّعقيد أشبه المصفَّى بالمشمش، ولا يجوز بيع الشُّهْد بالشُّهْد؛ لأن الشَّمع يمنع معرفة التَّماثل بين العَسَلَين، ولا بالعسل لظهور التَّفاضل، ويجوز بيع الشَّمع بالعَسَل وبالشّهد بلا حجر؛ لأن الشمع ليس من أموال الربا، ومعيار السَاوي في العَسَل على ما ذكرناه في السَّمْن.

الخامسة: التَّمْر إذا نزع منه النَّوَى بطل كماله لأنه يبطل ادِّخَاره، ويتسارع إليه الفساد فلا يجوز بيع منزوع النَّوَى بمثله ولا بغير المَنْزُوع، وقيل: يجوز بيع المنزوع بمثله، لأن النَّوَى ليس من جنس التَّمر فلا يضر فصله عنه، وإنما لم يشترط ذلك لما فيه من المَشَقة. وحكى الإمام الخلاف في بيع المنزوع بالمنزوع أيضاً ومفلَّق المِشمش والخُوخ ونحوهما لا يبطل كمالها بننرع النَّوَى في أصح الوَجْهين؛ لأن الغالب في تَجْفِيفها نزع النَّوى، ولا يبطل كمال اللَّحم بنزع العَظْم، لأنه لا يتعلَّق صلاح ببقائه، وهل يشترط النزع في جواز بيع بعضه ببعض؟ فيه وجهان:

أظهرهما عند الأكثرين: نعم، وبه قال أبو إسحاق.

والثاني ويحكى عن الإِصْطَخْري: أنه يسامح به، وعلى هذا يجوز بيع لَحْم الفَخِذ بالجَنب، ولا نظر إلى تفاوت أقدار العظام كتفاوت النَّوَى.

هذا شرح مسائل الفصل وما يناسبها، وإذا نظرت في هذا الطرف عرفت أن النظر في حالة الكمال إلى أمرين في الأكثر:

أحدهما: كون الشيء بحيث يتهيَّأ لأكثر الانتفاعات المطلوبة منه.

والثاني: كونه على هيئة الادِّخار لكنهما لا يعتبران جميعاً، فإن اللبن ليس بمدخر، والسمن ليس بمتهيء الانْتِفَاعات المَطْلُوبة من اللبن، وكل واحد من المعنيين غير مكتفى به أيضاً، لأن الثمار التي لا تدخر تتهيَّأ لأكثر الانْتِفَاعات المطلوبة منها، والدقيق مدَّخر وليس على حالة الكمال على ما سبق، ولا تساعدني عبارة ضابطة، كما

<<  <  ج: ص:  >  >>