قال الرافعي: عرفت في صدر الباب أن بيع المال الربوي بجنسه مشروط برعاية المُمَاثلة وبغير جنسه غير مشروط بها، والتجانس والاخْتِلاَف قد يظهر، فلا يحتاج إلى التَّنْصيص عليه، وقد يقع في محل الإِشْكال والاشتباه، وموضوع الطرف بيان مواضع الاشتباه، وفيه مسألتان:
إحداهما: اختلف قول الشافعي -رضي الله عنه- في أن لحوم الحَيَوَان جنس أو جنسان: فأحد القولين: أنها جنس واحد؛ لأنها مشتركة في الاسم الذي لا يقع بعده التَّمييز إلاَّ بالإضافة، فأشبهت أنواع الرُّطَب والعنب، وتخالف الثمار المختلفة، فإنها وإن اشتركت في اسم الثَّمرة لكنها تمتاز بأسمائها الخاصة.
وأصحهما وبه قال أبو حنيفة والمزني: أنها أجناس مختلفة لأنها فروع أصول مختلفة، فأشبهت الأدقّة والأَخْبَاز.
وعن مالك: أن اللحوم ثلاثة أجناس: الطُّيور، والدَّوابُ أهَلِيّها وَوَحْشِيّها، والبَحْريات. وبه قال أحمد في أحد الروايتين وعنه روايتان أخرتان كالقولين.
التفريع: إن جعلناها جنساً واحداً، فلا فرق بين لحوم الحيوانات البَريّة أهليها ووحشيها، وكذا لحوم البحريات جنس واحد، وفي لحوم البَرِيّات مع البَحْرِيّات وجهان:
أحدهما: وبه قال أبو علي الطَّبَرِي والشيخ أبو حامد: أنهما جنسان، وكذلك لو حَلَفَ أن لا يأكل اللَّحم لا يَحْنَث بلحوم الحِيْتان.
والثاني: أنهما جنس واحد لشمول الاسم.
قال الله تعالى:{وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا}(١)، وهذا هو اختيار القاضي أبي