للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن يبيع ما لا يملكه ليشتريه فيسلِّمه.

ومنها: بيع الكلب والخِنْزِيرِ، وقد تقدم ذكره في شرط طهارة المبيع.

ومنها ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم-: "نَهَى عَنْ بَيْعِ عَسْبِ الْفَحْلِ" (١).

وروي أنه "نَهَى عَنْ ثَمَنِ عَسْبِ الْفِحْلِ" (٢).

وهذه رواية الشافعي -رضي الله عنه- في "المختصر"، قال في "الصحاح": العَسْب: الذي يؤخذ على ضِرَاب الفَحْل (٣) وعَسب الفَحْل أيضاً: ضِرَابه، ويقال: ماؤه، فهذه ثلاثة مَعَان.

والثَّالث: هو الَّذي أطلقه في الكتاب.

والثَّاني: هو المشهور في الفِقْهيات، ثم ليس المراد من الخبر في الرواية الأولى الضِّرَاب، فإن نفس الضِّرَاب لا يتعلَّق به نهي ولا منع من الإيذاء أيضاً، بل الإعارة للضراب محبوبة، ولكن الثمن المذكور في الرواية الثانية مُضْمَر فيه هكذا قالوه.

ويجوز أن يحمل العَسْب على الكِرَاء على ما هو أحد المعاني، فيكون نهياً عن إِجَارَة الفَحْل للضِّراب، ويستغنى عن الإِضْمَار وأما على الرواية الثانية فالمفسّرون للعَسْب بالضِّرَاب ذكروا أنَّ المراد من الثَّمن الكِرَاء، وقد يسمى الكِرَا ثَمَناً مجازاً، ويجوز أن يفسر العَسْب بالماء، ويقال: هذا نهي عن بيعه، والحاصل: أن بَذْل المال للضِّرَاب ممتنع بطريق البيع؛ لأن ماءه غير متقوم، ولا معلوم، ولا مقدور على تسليمه. وأما بطريق الاستئجار: ففيه وجهان قد ذكرهما في الكتاب في "باب الإجارة".

أصحهما: المنع (٤) أيضاً وبه قال أبو حنيفة وأحمد لأن فعل الضّرَاب غير مقدور عليه للمالك بل يتعلق باختيار الفَعْل.

والثَّاني وبه قال ابن أبي هريرة ويحكى عن مالك: أنه يجوز كالاسْتِئْجَار لِتَلْقِيح


(١) أخرجه البخاري (٢٢٨٤) وأبو داود (٣٤٢٩) والترمذي (١٢٧٣) والنسائي (٧/ ٣١٠).
(٢) انظر التخريج السابق.
(٣) أعلم أن الضراب بكسر الضاد هو طروق الفحل للأنثى، فعلى التفسير الأول وهو المشهور في كتب الفقه كما قاله الرافعي لا بد في الحديث من تقدير لأن نفس العسب وهو الضراب لا يتعلق بالنهي لأنه ليس من أفعال المكلفين، والإعارة له محسوبة فيكون التقدير أجرة عسب الفحلَ، وحينئذ يكون دليلًا على تحريم استئجاره كذلك، وهو الأصح.
(٤) وتعبيره بالأصح يقتضي أن الخلاف وجهان وصرح في المحرر بأنه قولان فقال: في الأصح القولين.

<<  <  ج: ص:  >  >>