للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أبي ثَوْرٍ رواية قول: أن فساد الشرط لا يتعدى إلى فساد العقد بحال، لقصّة بريرة، فإنه -صلى الله عليه وسلم- أنكر على الشرط وأبطله ولم يفسد العقد. وإن كان مما يفرد بعقد كالرهن والكفيل، فهل يفسد البيع بشرطهما على نعت الفساد؟ فيه قولان:

أظهرهما: وبه قال أبو حنيفة: نعم كسائر الشروط الفاسدة.

والثاني: وبه قال المُزَنِيُّ: لا؛ لأنه يجوز إفراده عن البيع، فلا يوجب فساده فساد البيع كالصداق في النِّكَاح لا يوجب فساده فساد النكاح.

إذا عرفت ما ذكرناه عرفت أن قوله في الكتاب: "ومهما فسدت هذه الشرائط فسد بفسادها العقد" غير مجرى على إطلاقه.

وأما قوله: "والأصح أن شرط نفي خيار المجلس والرؤية فاسد"، فلا يخفى أنه ليس له كبير تعلّق بهذا الموضع.

ثم فقهه أنه إذا باع شيئاً بشرط نفي خيار المجلس وقبله المشتري، هل يصح هذا الشرط؟ فيه طريقان:

أظهرهما: أن المسألة على قولين:

أحدهما: أنه يصح لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "المُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلاَّ بَيْعَ الْخِيَارِ" (١).

وأراد البيع الذي يغني عنه الخيار، واستثناه من قوله: "الخيار".

وأصحهما: أنَّه لا يَصِحُّ.

لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "المُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَتَخَايَرا" (٢).

وهذا ما نص عليه في البُوِيطي والقديم.

وقوله: "إلاَّ بيع الخيار" المراد منه أن يقطعا الخيار بعد العقد وهو التَّخاير، وقيل: أراد إلاَّ بيعاً شرط فيه الخيار، فإن الخيار في ذلك البيع يبقى بعد التفرق، والاستثناء على هذا راجع إلى قوله: "ما لم يتفرقا".

والطريق الثاني: القطع بالقول الثاني، إليه ذهب أبو إسحاق بعدما كان يقول بطريقة القولين.

فإن صححنا الشرط صح البيع ولزم، وإن أفسدنا الشرط، فهل يفسد البيع؟ فيه وجهان:


(١) أخرجه البخاري (٢١٠٧، ٢١٠٩، ٢١١١، ٢١١٢، ٢١١٣، ٢١١٦) ومسلم (١٥٣١).
(٢) انظر التخريج السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>