أصحهما: نعم؛ لأنه شرط يُنَافي مقتضى العقد، فأشبه ما إِذَا قال: بِعْتُك بشرط أن لا أسلمه، وإذا سلكت سبيل الاختصار قلت في المسألة ثلاثة أقوال أو وجوه:
أصحهما: فساد الشرط والعقد جميعاً.
ولو شرط نفي خِيَار الرُّؤية على قول صحَّة بيع الغائب، فقد طرد الإمام وصاحب الكتاب فيه الخلاف، والأكثرون قطعوا بأنه فاسد مفسد.
والفرق أنه لم ير المبيع ولا عرف حاله، فنفي الخيار فيه يؤكد الغَرَر، ونفي خيار المجلس لا يمكن غَرَراً بل هو مُخِلٌّ لمقصود العقد، وإنما أثبته الشَّرْع على سبيل التَّخْفيف رفقاً بالمتعاقدين، فجاز أن لا يقدح نفيه.
وقوله في الكتاب: "والأصح أن نفي خيار المجلس" أراد الأصح من الوجوه جواباً على طريقة إِثْبَات الخلاف في الصُّورتين، وهذا الخلاف شبيه بالخلاف في البيع، بشرط البَرَاءة من العيوب وسيأتي من بعد.
ويتفرَّع على هذا الخلاف ما إذا قال لعبده: إذا بعتك فأنت حُرٌّ ثُمَّ باعه بشرط نفي الخيار.
فإن قلنا: البيع باطل أو قلنا: الشرط أيضاً صحيح لم يعتق.
أما على التقدير الأول، فلأن اسم المبيع يقع على الصحيح ولم يوجد.
وأما على الثاني، فلأن ملكه قد زال والعقد قد لزم، ولا سبيل إلى إعتاق ملك الغير. وإن قلنا: إن العقد صحيح والشرط فاسد عتق لبقاء الخِيَار ونفوذ العِتْق من البائع في زمن الخيار. وعند أَبِي حَنِيفة، ومالك؛ لا يعتق إلاّ أن يبيع بشرط الخيار، لأن خيار المجلس غير ثابت عندهما.
قال الغزالي: وَالعَقْدُ الفَاسِدُ لاَ يُفِيدُ المِلْكَ (ح) وَإِنْ اتَّصَلَ القَبْضُ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةٌ فَوَطِئَهَا وَجَبَ المَهْرُ وَثَبَتَ النَّسَبُ لِلشُّبْهَةِ، وَالوَلَدُ حُرٌّ.
قال الرافعي: إذا اشترى شيئاً شراء فاسداً بشرط فاسد أو بسبب آخر، ثم قبضه لم يملكه بالقبض، ولا ينفذ تصرفه فيه، وبه قال أحمد ومالك.
وقال أبو حنيفة: إن اشترى مَا لاَ قيمة له كالدّم والمَيْتة فالحكم كذلك، فإن اشتراه بشرط فاسد، وبما له قيمة في الجملة كالخَمْر والخِنْزِير، ثم قبض المبيع بإذن البائع ملكه ونفذ تصرفه فيه، لكن للبائع أن يستردّه بجميع زوائده، ولو تلف في يده أو زال ملكه عنه ببيع أو هِبَة أو إِعْتَاق فعليه قيمته، إلاَّ أن يشتري عبداً بشرط العتق، فإنه قال: يفسد العقد، وإذا تلف في يده فعليه الثمن.