للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانية: لا ينبغي للإمام أن يُسَعِّر "رُوِيَ أَنَّ السِّعْرَ غَلاَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ: سَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ المُسَعِّرُ الْقَابضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ ألْقَى رَبِّي، وَلَيْسَ أحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلمَةٍ بدَمٍ وَلاَ مَالٍ".

وهل يجوز ذلك؟ إنْ كان في وقت الرُّخص فلا، وإن كان في وقت الغلاء فوجهان؟

أحدهما، وبه قال مالك: يجوز رِفْقاً بالضُّعفاء.

وأصحهما: أنه لا يجوز تَمْكيناً للنَّاس من التَّصرف في أموالهم؛ ولأنهم قد يمتنعون بسبب ذلك عن البيع فيشتد الأمر.

وعن أبي إسحاق: أنه لو كان يجلب الطَّعَام إلى البَلَدِ فالتَّسعير حرام، وإن كان يزرع بها وهو عند الغلاء فيها فلا يحرم.

وحيث جوزنا التَّسْعير فذلك في الأَطْعمة، ويلتحق بها عَلَف الدَّوَاب في أظهر القولين.

وإذا سَعَّر الإمام عليه فخالف استحق التَّعْزِير، وفي صحة البيع وجهان منقولان في "التتمة".

قال الغزالي: وإنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَهُوَ أَنْ يَتَرَبَّصَ بِسِلْعَتِهِ اِلَي أَنْ يُغَالَي في ثَمَنِهَا فَيَفُوتَ الرِّزقُ وَالرِّبْحُ عَلَى النَّاسِ.

قال الرافعي: عن جابر وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن النّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَبعِ حاضِرٌ لِبَادٍ" (١).

وصورته: أن يحمل البَدَوِي (٢) أو القُرَوِيّ متاعه إلى البلد، ويريد بيعه بسعر اليوم ليرجع إلى موضعه، ولا يلتزم مُؤْنَة الإقامة، فيأتيه البلدي ويقول: ضع متاعك عندي وارجع لأبيعه لك على التَّدريج بأغلى من هذا السعر.

وهو مأثوم به بشروط:

أحدها: أن يكون عالماً بورود النَّهْي فيه، وهذا شرط يعم جميع المَنَاهي.


(١) أخرجه مسلم (١٥٢٢) والترمذي (١٢٢٣) وأبو داود (٣٤٤٧) والنسائي (٧/ ٢٥٦) وابن ماجة (٢١٧٦).
(٢) قال الجوهري: تقول بدا أي خرج إلى البادية ونزلها فهو باد. قال تعالى: {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ} أي نازلون. والغريب يتناول أهل القرى والبوادي والبحار، وإنما عبروا أولاً بالبادي تبعاً لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض".

<<  <  ج: ص:  >  >>