للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثانيها: أن يظهر من ذلك المتاع سعة في البلد، فإن لم يظهر إما لكبر البلد وقلة ذلك الطعام، أو لعموم وجوده أو رخص السعر فيه، ففيه وجهان:

أوفقهما لمطلق الخبر: أنه يحرم.

والثَّاني: لا؛ لأن المَعْنَى المُحَرَّم تفويت الرّفق والرِّبْح على النَّاس، وهذا المعنى لم يوجد هاهنا.

وثالثها: أن يكون المَتَاع المَجْلُوب مما تعمّ الحاجة إليه كالقُوت والأَقِط وسائر أطعمة القُرئ.

فأما ما لا يحتاج إليه إلا نادراً فلا يدخل تحت النهي، قاله في "التهذيب".

ورابعها: أن يعرض الحَضَرِي ذلك على البَدَوِي ويدعوه إليه.

فأما إذا الْتَمس البدوي منه بيعه تدريجاً، أو قصد الإقامة في البلد ليبيعه كذلك، فسأل البدوي تفويضه إليه فلا بأس به؛ لأنه لم يضر بالناس، ولاسبيل إلى مَنْعِ المالك عنه، لما فيه من الإضرار به.

ولو أن البَدَوِي اسْتَشَار الحَضَري فيما فيه حظه، فهل يرشده إلى الادِّخار والبيع على التدريج؟

حكى القاضي ابن كَجٍّ عن أبي الطيب بن سلمة، وأبي إسحاق المَرُوزِيّ: أنه يجب عليه إرشاده إليه بذلاً للنصيحة.

وعن أبي حَفْص بْنِ الوَكِيل: أنه لا يرشده إليه توسيعاً على الناس.

ثم لو باع الحَضَرِي لِلْبَدَوِي عند اجتماع شرائط التحريم صح البيع وإن أثم، واحتج الشَّافعي -رضي الله عنه- بما روي في بعض الروايات أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في آخر الخبر: "دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللهُ عزَّ وَجَلَّ بَعْضُهْمْ مِنْ بَعْضٍ".

ولولا صحة البيع، لما كان في فعله تفويت على الناس.

قال الغزالي: وإنْ يَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ وَيَكْذِبَ في سِعْرِ سِلْعَتِهِمْ فَيَشْتَرِيَهَا رَخِيصاً فَلِلْبَائِعِ الخِيَارُ إِذَا عَرَفَ كَذِبَهُ؛ لأَنَّهُ تَغرِيرٌ.

قال الرافعي: روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ"، وفي رواية "فَمَنْ تَلَقَّاهَا فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ بَعْدَ أَنْ يَقْدُمَ السُّوقَ" (١).


(١) أخرجه البخاري (٢١٥٨، ٢١٦٣، ٢٢٧٤) ومسلم (١٥٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>