وصورته أن يتلقى الإنسان طائفة (١) يحملون متاعاً إلى البلد فيشتريه منهم قبل قدوم البلد ومعرفة سعره، فيأثم إن كان عارفاً بالخبر قاصداً لتلقي الرُّكْبَان، لكن البيع صحيح، ولا خيار لهم قبل أن يقدموا ويعرفوا السِّعْر، وبعده يثبت الخِيَار إن كان الشِّرَاء بأرخص من سعر البلد، سواء أخبر كاذباً أو لم يخبر، وإن كان الشِّرَاء بسعر البلد، أو أكثر ففي ثبوت الخِيَار وجهان:
أحدهما: يثبت وبه قال الإصْطَخري وابن الوَكِيل لظاهر الخبر.
وأصحهما: لا يثبت؛ لأنه لم يوجد تَغْرِيرٌ وَخِيَانَة، وأجرى الوجهان فيما إذا ابتدأ الباعة والتمسوا منه الشراء عن علم منهم بسعر البلد أو غير علم.
ولو لم يقصد التَّلقي، بل خرج لشغل آخر من اصْطياد وغيره، فرآهم مقبلين فاشترى منهم شيئاً، فهل يعصى؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ لأنه لم يَتَلَقَّ.
وأظهرهما عند الأكثرين: نعم لشمول المعنى فعلى الأول لا خيار لهم وإن كانوا مَغْبُونِين.
وقيل: إن أخبر عن السِّعر كاذباً ثبت الخيار، وحيث ثَبَتَ الخِيَار في هذه الصورة، فهو على الفور كخيار العيب أو يمتد ثلاثة أيام، فيه وجهان كما في خيار التَّصْرِية.
أصحهما: أولهما.
ولو تلقى الرُّكْبَان، وباع منهم ما يقصدون شراءه في البلد، فهل هو كالتّلقي للشراء؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ لأن النَّهي إِنَّما ورد عن الشِّرَاء.
والثَّاني: نعم؛ لما فيه من الاسْتِبْداد بالرِّفق الحاصل منهم.
وعن مالك: أن البَيْع باطل في صورة تَلَقِّي الرُّكبان، وكذلك بيع الحَاضر للبادي.
فيجوز أنْ يعلّم الفصلان بالميم إشارة إليه، وبمثله قال أحمد في بيع الحاضر للبادي. وإذا تأملت ما أوردناه عرفت أن قوله في الكتاب: "ويكذب في سعر سلعتهم" ليس بشرط في ثبوت الخيار. -والله أعلم-.
قال الغزالي: وَنَهيٌ عَنِ السَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ، وَهُوَ بَعْدَ قَرَارِ الثَّمَنِ وَقَبْلَ العَقْدِ، وَنَهْيٌ
(١) التعبير بالطائفة مثال لا قيد فتلقى الحالب الواحد كتلقي الطائفة.