للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشارك المني في هاتين الصفتين فيحتمل أن يكون الخارج (ودياً)، فلا يجب الغسل بالشك بل يتخير بين أن يتوضأ ويغسل المحل الذي أصابه ذلك الخارج، وبين أن يغتسل، ولا يغسله على ما ذكرناه في فصل الترتيب هذا ظاهر المذهب، وقد حكينا وجهاً أنه يلزمه الغسل فلذلك أعلم. قوله: في الكتاب "فلا يلزمه الغسل" بالواو.

فإن قلنا بظاهر المذهب، وغلب على الظن أنه مني لأن الودي لا يليق بصاحب (١) الواقعة، أو لتذكر وقاع [قبله] (٢) تخيله: قال إمام الحرمين يجوز أن يقال: يستصحب يقين الطهارة، ويجوز أن يحمل الأمر على غالب الظن تخريجاً على غلبة الظن في النجاسة، والاحتمال الأول أوفق لكلام المعظم هذا حكم غير الخواص.

فأما خواص المني فلا يشترط اجتماعها بل الخاصة الواحدة كافية في معرفة أن الخارج مني، فلو خرج بغير دفق وشهوة لمرض أو لحمل شيء ثقيل وجب الغسل خلافاً لأبي حنيفة، وكذلك لمالك وأحمد -رحمهما الله- فيما حكاه أصحابنا.

لنا أن الخارج مني لوجود خاصية الرائحة فيه فيوجب الغسل لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ" (٣). [ولو اغتسل عن الإنزال ثم خرجت منه بقية وجب الغسل لوجود الرائحة] سواء خرجت بعد ما بال، أو قبله خلافاً لمالك حيث قال: في إحدى الروايتين لا غسل عليه في الحالتين وفي رواية أنه خرج قبل البول فهو من بقية المني الأول، فلا يجب الغسل ثانياً وإن خرج بعده فهو مني جديد فيلزمه الغسل، وخلافاً لأحمد حيث قال: إن خرج قبل البول وجب الغسل ثانياً، وإن خرج بعده فلا.

وحكى عن أبي حنيفة مثله وجعل ذلك بناء على المسألة الأولى وهي اعتبار التدفق والشهوة، لأن ما خرج قبل البول بقية ما خرج لشهوة، وما خرج بعد البول خرج بغير شهوة لنا ما سبق وقياس إحدى الحالتين على الأخرى، وقول من قال الخارج بعد البول (٤) مني جديد ممنوع بل هو بقية الأول بكل حال -والله أعلم-.

ولا فرق في خروج المني بين الرجال وبين النساء في حكم الغسل: روي أن أم سليم جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فقالت: إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحِي مِنَ الْحَقِّ هَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ غُسْلِ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ قَالَ: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ" (٥).

وقوله في الأصل: "والمرأة إذا تلذذت بخروج ماء منها لزمها الغسل" يشعر بأن طريقة معرفة المني في حقها الشهوة والتلذذ لا غير.


(١) في ط بحال صاحب الراقعة.
(٢) سقط في ط.
(٣) تقدم.
(٤) في أالمعنى.
(٥) أخرجه مسلم (٣١ - ٣٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>