العبدين سليمين وتقويمهما، ويقسط الثمن المسمى على القيمتين، فلو اختلفا في قيمة التَّالف فادعى المشتري ما يقتضي زيادة الواجب على ما اعترف به البائع فقولان:
أصحهما: وقد نص عليه في "اختلاف العراقيين": أنَّ القول قول البائع مع يمينه؛ لأنه ملك جميع الثمن بالبيع، فلا رجوع عليه إِلاَّ بما اعترف به.
والثاني: أن القول قول المشتري؛ لأنه تلف في يده، فأشبه الغاصب مع المالك إذا اختلفا في القيمة؛ لأن القول قول الغاصب الذي حصل الهلاك في يده.
وإن قلنا: لا يجوز الإفراد فوجهان، ويقال: قولان:
أحدهما: أنه يضم قيمة التالف إلى الباقي ويردهما ويفسخ العقد، وهذا اختيار القاضي أبي الطيب، واحتج له بأن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- "أمَرَ في المُصَرَّاةِ برَدِّ الشَّاةِ، وَبَدَلِ اللَّبَنِ الْهَالِكِ" (١).
فعلى هذا لو اختلفا في قيمة التالف، فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأنه حصل التلف في يده وهو الغارم.
وروي في "التتمة" وجهاً آخر: أن القول قول البائع، لأن المشتري يريد إزالة ملكه عن الثمن المملوك.
وأصحهما: أنه لا يصح له، ولكنه يرجع بأَرْش العيب، لأن الهلاك أعظم من العيب، ولو حدث عنده عيب ولم يتمكّن من الرد، فعلى هذا لو اختلفا في قيمة التَّالف عاد القولان السابقان؛ لأنه في الصُّورتين يرد بعض الثَّمن، إلاَّ أنه على ذلك القول يرد حصّة الباقي، وعلى هذا القول يرد أَرْش العيب، والنظر في قيمة التَّالف إلى يوم العقد، أو يوم القَبْض فيه مثل الخِلاَف الَّذِي سيأتي في اعتبار القيمة لمعرفة أَرْش العيب القديم.
وإذا عرفت ما ذكرنا لم يخف عليك أن قوله في الكتاب: "ولو اشترى عبدين وانفسخ العقد في أحدهما بالتلف قبل القبض" إشارة إلى الحالة الأولى.
قوله: "أو بسبب يوجب الفسخ" يمكن حمله على الحالة الثانية، وهو الأقرب إلى اللفظ، ويمكن حمله على سائر الصور المذكورة في الحالة الأولى نحو الصرف والسلم، وتأول لفظ الفسخ والله أعلم.
قال الغزالي: وَالأَصَحُّ أَنَّ الفَسَادَ مَقْصُورٌ عَلَى الفَاسِدِ إِلاَّ إِذَا صَارَ ثَمَنُ مَا يَصِحُّ العَقْدُ عَلَيْهِ مَجْهولاً حَتَّى لَوْ بَاعَ عَبْداً لَه نِصْفهُ صَحَّ في نَصِيبِهِ إِذْ حِصَّتُهُ نِصْفُ الثَّمَنِ،
(١) أخرجه البخاري (٢١٤٨، ٢١٥٠) ومسلم (١٥١٥).