وحكمة مشروعية الخيار: من المعلوم لدى الفقهاء أن الخيار لا يدخل إلاَّ عقود المعاوضات المالية اللازمة وجه الحكمة في شرعيته، وسنتطوع لك بشرح ذلك بعض الشرح فنقول الأصل الذي يبنى عليه هل هذه العقود هو الرضا التام، إذ هو مناط حل الأموال والانتفاع بها، يقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ويقول الرسول صلوات -الله وسلامه عليه-: "لاً يَحِل مَالُ امْرِئٍ مُسْلِم إلاَّ عَنْ طِيْبِ نَفْسِهِ" فالرضا، وهو ما قام بنفس العاقدين من إرادتهما تبادل العوضين هو في الحقيقة علة الملك، والتصرفات المترتبة عليه في هذه العقود. إلا أن هذه العلة لما كانت خفية لا يطلع عليها، أقيمت الصيغة وما قام مقامها من الكتابة وإشارة الأخرس مقام تلك العلة؛ لأنها دليل عليها. والعرف كذلك جار بين الناس على أن أساس هذه العقود هو الرضا التام، وامتلاء النفس بالرغبة فتراهم يتراوضون البيع، ويتداولون فيه حتى تطمئن نفوسهم إليه، وتطيب إلى انعقاده، ومثل البيع سائر هذه العقود. لهذا احتاط الشارع الحكيم فأجاز لكل من العاقدين أن يشترط الخيار لنفسه مدة معلومة يتروى فيها؛ لأنه قد لا يظهر له وجه المصلحة حالاً، وقد يريد أن يعرض المعقود عليه على خبير فتى يثق به؛ ليرى ما إذا كان يحقق الغرض المقصود منه أم لا؟ حتى يكون العقد عليه قائما على أساس من الرضا المكين والرغبة الصادقة. كما أنه قد يظهر في المعقود عليه حالة خاصة تهدم الرضا الحاصل عند العقد أو تنقصه. كظهور عيب قديم به ينقص القيمة أو يخل بوجه المنفعة التي يستعمل من أجلها. أو يكون البائع قد دلس على المشتري في البيع بما لو علم به حين العقد لامتنع عن الشراء، أو لأنقص الثمن على أقل تقدير. أو يكون المشتري قد اشترط في المبيع وصفا مرغوباً فيه فلم يف به البائع، فأجاز الشارع في هذه الأحوال وغيرها لمن وقع عليه ضرر أو احتل رضاه أن يفسخ العقد متى شاء، كما أن له أن يمضيه إن رضي بذلك. وإنما كان الرضا التام هو أساس هذه العقود المالية؛ لأن المال عصب الحياة، وزينة الدنيا، وقرين البنين في القرآن الكريم، وقد جبلت الأنفس على الثمح به لا سيما فيما هو عن طريق المعاوضة التي تظهر فيها المكابسة واستمالة كل واحد منهما لصاحبه فتجد الواحد من الناس قد يتبرع بالآلاف من الجنيهات، وهو مع ذلك يأنف أن يغبن في بضع قروش عن طريق البيع أو الشراء ولذلك شرع الخيار]. هو من إضافة الشيء إلى ظرفه أي الخيار الثابت ما دام مجلس العقد قائماً، والسبب فيه هو العقد نفسه. وحكمة تدارك ما قد يكون لحق أحد العاقدين من غبن أو خديعة. ومجلس العقد هو مكان البيع، والمراد به هنا العاقدان ما داما مجتمعين، ولو جاوزا مكان البيع فلو تفرقا بأبدانهما قيل أن مجلس العقد قد انفض. ويعرف خيار المجلس بأنه حق كل من العاقدين في فسخ البيع أو إمضائه بسبب العقد ما داما مجتمعين أو لم يخيّر أحدهما البيع، فإذا اختار =