= العقد أو اختيار البيع. قال المثبتون لخيار المجلس: وهذه الأحاديث التي ذكرنا ظاهرة فيه بل تكاد وتكون نصوصاً قاطعة واصفة، ولكنكم تعسفتم في تأويلها، وحملتموها على غير محملها، خروجاً بالكلم عن مواضعه، فاضطررتمونا بهذا إلى منازلتكم في معركة الحق فيها في جانبنا واضح قوي. والظاهر من صنيعكم أيها المانعون بأحاديث خيار المجلس هذا الصنيع، وتأويلها مثل هذا التأويل الذي إليه تذهبون، أنكم لما وجدتم سندها بالغاً من الصحة مبلغاً شأوه بعيد على من رام أن يجرحه أو يجد فيه مغمز الغامز أردتم أن تجرحوها من جهة المتن والدراية. فقلتم مرة أحاديث مضطربة لروايتها بروايات مختلفة فيها زيادة، وفيها نقص، ولعمرُ الله ما سلمت لكم هذه الدعوى، فإن القدر الذي به يثبت خيار المجلس قد اتفقت عليه كل الأحاديث، وما في بعضها من زيادة فهي زيادة لا تضر. ومرة أخرى حملتموها على غير محملها قاطعين بذلك طوراً وظانين طوراً آخر. ذهبتم هذا المذهب الصعب لكي توهموا عدم صلاحية هذه الأحاديث المقطوع بصحتها البالغة حد الشهرة، لتقييد إطلاق الآيات التي احتججتم بها لنفي خيار المجلس. وقولكم: إن المراد من المتبايعين في الحديث المتشاغلان بالبيع لا من تم البيع ببنهما، وإن هذا الإطلاق إطلاق حقيقي؛ لأنه إطلاق للوصف حال الاتصاف، ولأنه يفهم من قول القائل -زيد وعمرو هناك يتبايعان- أنهما يتشاوران في البيع، ويتراوضان فيه على جهة التبادر، وهي أمارة الحقيقة قولكم هذا باطل مناف للصرف واللغة. أما منافاته للعرف فظاهر؛ لأن العرف يفرق بين المتبايعين، وبين المتشاغلين بالبيع المتساومين فيه، وأما أنتم فلم تفرقوا؛ وجعلتم الكل شيئاً واحداً. وأما منافاته للغة؛ فلأنكم تزعمون أن إطلاق المتبايعين على المتشاغلين حقيقة؛ لأنه إطلاق للوصف حال الاتصاف، وهذا منكم مغالطة ظاهرة؛ لأن هذا الوصف مشتق من البيع، والبيع حقيقته مركبة من ركنين: الإيجاب والقبول، فما دام لم يوجد القبول لم توجد حقيقة البيع فيكون إطلاق المتبايعين على المتساومين حينئذ إطلاقاً للوصف قبل الاتصاف، وهو مجاز باتفاق. يقول الإمام الشافعي -رضي الله عنه-: وقد حمل بعض الناس الحديث على التفرق في الكلام، وهذا محال لا يجوز في اللسان إنما يكونان قبل التساوم غير متساومين، ثم يكونان متساومين قبل التبايع، ثم يكونان بعد التساوم متبايعين، وناهيك بالشافعي حجة في اللغة وثقة في النقل. ثم لو سلم لكم أن إطلاق المتبايع على التساوم حقيقة لكان هذا اللفظ -المتبايعان- مجازاً من وجه آخر، لأن الثابت قبل قبول القابل بائع واحد لا بائعان، فلو جاريناكم وسلمنا لكم كذلك أن إطلاق هذا الوصف على من تم بينهما البيع مجاز، لكان مجازنا خيراً من مجازكم، وأولى منه بأن يحمل الحديث عليه؛ لأنه مجاز مشهور. وقد حاول الكمال أن يجعل إطلاق المتبايعين على المتشاغلين بالبيع بعد صدور الإيجاب وقبل القبول من قبيل الإطلاق الحقيقي لا المجازي، فقال ما معناه لأن البيع من المواضع التي تصدق الحقيقة فيها بوجود جزء من معنى اللفظ، لعدم تصور اجتماع أجزاء في الوجود دفعة واحدة، لأنه من المصادر السيالة التي تنقضي أجزاؤها أولاً بأول، وإلا تصدق الحقيقة بوجود جزء منها لم توجد لها حقائق البتة، وهذا ما يأباه العقل واللغة والعرف. وذلك لأن البيع هو الإيجاب والقبول، ولا يتصور اجتماعهما معاً، فإذا أوجب البيع أحدهما، ولم يقبل الآخر بعد يقال وجدت حقيقة الببع، وحيث وجدت =