للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= يرجع الموجب في إيجابه قبل قبول القابل، فيبطل خيار القبول حينئذ فإن أبيتم إلا أن يكون التفرق في الحديث مراداً منه التفرق بالأبدان سلمناه لكم، ومنعنا أن يكون هذا حجة لكم على أن عقدة البيع قد تمت بالإيجاب والقبول؛ لأن التفرق بالأبدان متصور قبل القبول أيضاً بأن يذهب القابل بمد إيجاب الموجب ذهاباً وإلا على الإعراض عن البيع أو يفعل الموجب مثل ذلك قبل القبول فينقطع خيار القبول به أيضاً وهو مذهبنا. فإن قلتم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبهِ: اخْتَرْ" يدل على أن الاختيار بعد البيع؛ لأن معنى اختر اختر إمضاء البيع أو فسخه فكذلكَ التفرق الحقيقة وفي قصة أبي برزة ما يدل عليه؛ لأن البيع كان قد تم بينهما. وقد ظهر من هذه الأحاديث أن الخيار ثابت لهما بعد البيع إلى أن يتفرقا بأبدانهما، أو يخير أحدهما صاحبه. وهذا هو معنى خيار المجلس. وأما المعقول -فهو أن الحاجة داعية إلى شرع هذا الخيار، لأن الإنسان قد يندفع إلى البيع تحت تأثير رغبة ملحة، أو خوف فوات فرصة فيغالي في الثمن إن كان مشترياً ويتساهل فيه إن كان بائعاً، وبعد أن يحصل له ويرتاح باله تعاوده الفكرة فيرى غبنه فيود لو تخلص منه. فشرع خيار المجلس موفر على العاقد هذه الرغبة، وموافق للمصلحة العامة لا سيما ومجلس العقد عهد محلاً للمداولات والمشاورات والأخذ والرد في أمر البيع.
وحجة الحنفية: والمالكية هي الكتاب والأثر والمعقول أما الكتاب:
فأولاً: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} أباح الله تعالى الأكل من مال الغير بمد حظر بطريق التجارة عن تراض، وهي تصدق بمجرد الإيجاب القبول ما داما ناشئين عن اختيار وإرادة حرة غير مقيدة. ومن المعلوم أنه لو ثبت لهما الخيار بالعقد لما أبيح لهما الأكل بمجرد العقد لحق الآخر في الفسخ، فدلت إباحة الأكل بمجرد العقد على أنه ينعقد لازماً. والتجارة هي تقليب المال بالبيع والشراء. فالعقد لا يكون عقداً واجب الوفاء حتى يتم ركناه الصيغة والتفرق، وكذلك البيع والتجارة لا يكونان بيعاً وتجارة معتداً بهما شرعاً، ويترتب عليهما نقل الملك وحل الأكل وجواز التصرف إلا بالصيغة والتفرق. قال ابن حزم وهو يناقش أدلة الحنفية في صدد احتجاجهم لمذهبهم بقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} "الذي أتانا بهذه الآية هو الذي من عنده تدري ما هي التجارة المباحة لنا مما حرم علينا، وما هو التراضي الناقل للملك من التراضي الذي لا ينقل الملك، ولولاه لم نعرف شيئاً من ذلك. وهو الذي أخبرنا أن العقد ليس بيعاً ولا هو تجارة، ولا هو تراضياً ولا ينقل ملكاً إلا حين يستضيف إليه التفرق عن موضعهما أو التخيير فهذا هو البيع والتجارة". وبمثل هذا أجاب عن احتجاجهم بقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} والذي حمل الظاهرية على أن يجعلوا التفرق داخلاً في عقدة البيع وغيره هو مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ بيْعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا" حيث نفى البيع قبل التفرق، فتكون حقيقة الشرعية معدومة قبله. وأما غير الظاهرية فهذه الآيات والأحايث -وإن كانت مطلقة وعامة شاملة لكل عقد وبيع وتجارة- إلا أنها مقيدة أو مخصصة بالأحاديث التي ذكروا الاثبات خيار المجلس جمعاً بين الأدلة، فيكون المراد من العقود والتجارات والبيوع العقود والتجارات والبيوع اللازمة، ولا تكون كذلك حتى يكون التفرق بالأبدان عن مجلس =

<<  <  ج: ص:  >  >>