للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= رضي الله عنه-؟. وأما المعقول:
فأولاً: قاسوا البيع على النكاح بجامع أن كلاً منهما عقد معاوضة، والنكاح ينعقد لازماً، فكذا البيع والبيع أما يحتاج إلى التروي يحتاج إليه النكاح أيضاً.
وثانياً: قالوا في جواز الفسخ من أحدهما استقلالاً بموجب الخيار جواز إبطال حق الآخر حق يده على ملكه الذي آل إليه بمقتضى العقد من غير رضاه، وهو غير جائز شرعاً إذ لا ينزع من أحد حقه قهراً عنه. هذا وقد احتج المالكية بأنه عمل أهل المدينة على خلاف موجب أحاديث خيار المجلس، وهي أحاديث لا تخرج عن كونها أحاديث آحاد، وعمل أهل المدينة يقدم عليها؛ لأن الأخذ بعملهم أثبت من الأخذ بأحاديث الآحاد، إذ عملهم بمنزلة سنة عملية منقولة بطريق التواتر في بلد هي مهبط الوحي ومنتدى أصحاب الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. فإجماعهم على العمل بخلاف حديث لا يكون إلا وقد ثبت لديهم ما ينسخه إذا كان صريح الدلالة. فكيف والأحاديث الدالة على ثبوت خيار المجلس تحتمل التأويل فهي إما منسوخة وإما محمولة على وجه غير الذي تحملونها عليه. وقد اعترض على الجمهور من قبل الفريق الآخر بأن أحاديث: "المُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا" لا تدل على دعواكم إلا إذا كان المراد بالمتبايعين فيها من تمت بينهما عقدة البيع بالإيجاب والقبول، وهذا ما لا نسلمه لكم، بل المراد بهما المتشاغلان بالبيع المتساومان فيه. فإن دفعتم بأن الوصف حينئذ يكون مجازاً فيهما؛ لأنه مشتق من البيع، والبيع لا يكون إلا بتمام الصيغة، والمتشاغلان لم يتم البيع بينهما بعد، ولا يصار إلى المجاز إلا بعد تعذر إرادة الحقيقة، وهي غير متعذرة هنا قلنا في جواب هذا الدفع بل إطلاقه على المتشاغلين هو الحقيقة، وعلى من تم بينهما البيع مجاز. أما الأول فلأنه إطلاق للوصف حال الاتصاف، وهو حقيقة باتفاق، وأما الثاني فلأنه إطلاق للوصف بعد إنقضاء الإتصاف وهو مجاز على المذهب المنصور. وعند إيجاب أحدهما قبل قبول الآخر يصدق عليهما أنهما متشاغلان بالبيع فليكن هذا هو المراد من المتبايعين ويكون الخيار الثابت لهما حينئذ هو خيار القبول. على معنى أن للقابل أن يقبل البيع بعد إيجاب الموجب، وأن يروه وأن للموجب أن ينقض إيجابه، قبل قبول القابل وأن يظل متمسكاً به حتى يقبل. فإن دفعتم دفعاً آخر بأن حمل الحديث على خيار القبول يجعله عديم الجدوى عارياً من الفائدة؛ لأن كل أحد يفهم هذا المعنى الذي حملتم عليه الحديث فليست هناك حاجة إلى النص عليه ممن نزه عن لفظ الحديث وسقطه. قلنا في الجواب بل الفائدة ههنا محققة وهي دفع توهم أنه إذا أوجب أحدهما البيع فقد لزم الآخر ولو لم يقبل بسبب التراضي الحاصل قبل الإيجاب. وعلى ما اخترنا من أن الحديث محمول على خيار القبول يكون المراد من التفرق الذي جعل غاية للخيار هو تفرق الأقوال لا الأبدان كما تزعمون، وليس هذا القول منا قولاً جزافاً بدون ما دليل يؤيده أو سناد يعتمد عليه بل الدليل بأيدينا قوي متين من ذلك قوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " افْتَرَقَت بَنُو إِسْرَائِيلِ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسبعِينَ فِرْقَةً وَستَفْتَرِق أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعينَ فِرْقَةً" إذ المراد من التفرق فيهما التفرق في الاعتقاد، ومثل هذا فاشٍ في الصرف واللغة، والأصل في الإطلاق هو الحقيقة وتفرق الأقوال بأن يقول العاقد الآخر بعد إيجاب الأول: لا أقبل البيع أو لا أشتري، أو بأن =

<<  <  ج: ص:  >  >>