للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= العامة لا سيما، ومجلس العقد عهد محلاً للمداولات والمشاورات والأخذ والرد في أمر البيع وحجة الحنفية: والمالكية هي الكتاب والأثر والمعقول أما الكتاب:
فأولاً: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} أباح الله تعالى الأكل من مال الغير بعد حظره بطريق التجارة عن تراض، وهي تصدق بمجرد الإيجاب القبول ما داما ناشئين عن اختيار وإرادة حرة غير مفيدة. ومن المعلوم أنه لو ثبت لهما الخيار بالعقد لما أبيح لهما الأكل بمجرد العقد لحق الآخر في الفسخ فدلت إباحة الأكل بمجرد العقد على أنه ينعقد لازماً. والتجارة هي تقليب المال بالبيع والشراء.
وثانياً: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} والبيع قبل التفرق والتخاير يصدق عليه أنه عقد، وأنه عهد فيكون واجب الوفاء، ولاَ يكون واجب الوفاء إلا حيث كان لازماً إذ لو كان جائزاً يجوز فسخه لم يكن واجب الوفاء.
وثالثاً: قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} أمر الله -جل شأنه- بالتوثق بالشهادة على البيع بعده قبل الخيار منعاً للتجاحد والتناكر، وفي هذا ما يدل على أن البيع إذا صدر صدر لازماً، وإلا لم يكن للتوثق بالشهادة من فائدة لجواز فسخ البيع حينئذ. وأما الأثر:
فأولاً: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ" وسلك به في الاستدلال على المطلوب مسلك الآيات الكريمة، فيقال والعقد بمجرد الإيجاب والقبول شرط يلتزمان فيكون واجب الوفاء.
وثانياً: ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:" المَبِيعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيْلَه" وهذا دليل على أن صاحبه لا يملك الفسخ إلا من جهة الاستقالة، وهي هنا قبل التفرق لأنه منهي عن التفرق قبلها. ومن المعلوم أن الاستقالة لا تكون إلا في البيع اللازم، فدل ذلك على أن البيع قبل التفرق لازم.
وثالثاً: ما روي عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: "كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فكنت على بكر صمب لعمر فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم فيزجره عمر ويرده، ثم يتقدم فيزجره عمر ويرده. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمر: "بِعْنِيْهِ". فقال هو لك يا رسول الله. قال: "بِعْنِيهِ". فباعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ". رواه البخاري. فهذا بيع صحيح من عمر -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يحصل بعد البيع تفرق؛ لأن الركب كان مندفعاً سوياً، كما أنه لم يحصل اختيار وإلا لذكر، وقد وهبه الرسول لابن عمر بعد البيع فوراً فدل صنيعه هذا على أن البيع ينعقد لازماً لا خيار فيه، وإلا لما وهبه له قبل انقضاء الخيار؛ لأن التصرف في المبيع أثناء الخيار غير جائز كما هي دعواكم.
رابعاً: قالوا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الغرر، ومن الغرر أن يثبت لهما خيار بعد البيع إلى التفرق، وهو غير معلوم متى يكون؟ فيكون خياراً مجهول المدة فيفسد البيع كجهالة المدة في شرط الخيار].
خامساً: ما روي عن عمر -رضي الله عنه- قال: "البيع صفقة أو خيار" قسم عمر البيع قسمين: بيع صفقة وبيع خيار، ومن الضرورة أن بيع الصفقة غير بيع الخيار؛ لأنه قسيمه فيكون هناك بيع فيه خيار، وبيع لا خيار فيه هو الذي عبر عنه بالصفقة. وأنتم أيها القوم الدين أثبتم خيار المجلس، أثبتموه في كل بيع، فأين هو البيع الذي لا خيار فيه والذي أشار إليه عمر - =

<<  <  ج: ص:  >  >>