للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البَيْع إِنْ لم نجوِّز خيار الرؤية (١)، وإنْ كان مطويّاً على طاقين يصح البيع؛ لأنه يرى


(١) هو من إضافة الشيء إلى شرطه، وأما سببه فهو عدم الرؤية وأصله في مبيع معين غير مرئي عند العقد عليه. أما كونه غير مرئي فلأنه موضوع هذا الخيار؛ لأن سببه هو عدم رؤية المبيع، وأما شرط كونه معيناً فلأن الثابت في الذمة إن جاء على الوصف الذي وصف به فقد لزم المشتري قبوله ولا يجوز له رده وإن جاء على غير ما وصف فله رده لا لثبوت خيار الرؤية فيه ولكن لأنه غير المبيع. ويعرف خيار الرؤية -بأنه حق المشتري في فسخ البيع وإرضائه عند رؤية المبيع المعين الذي لم يكره عند العقد. مثاله أن يقول البائع للمشتري بعتك محصول أرضي بجهة كذا من القمح هذا العام على أن يكون ثمن الأردب كذا فيقبل المشتري وهو لم يسبق له أن رأى هذا القمح. اتفق الفقهاء قاطبة على صحة بيع المعين الحاضر المشاهد عند البيع، وأنه يكون بيعاً بتاً لازماً لا انفكاك منه إلا بسبب آخر كالعيب. وكما اتفقوا على هذا اتفقوا على صحة بيع الموصوف في الذمة، وعلى أنه لازم لهما فإن جاء على الوصف أجبر المشتري على قبوله، وإن لم يجئ فله رده لأنه غير المبيع. هذا متفق عليه في الجملة وإن اختلفوا في بعض الشروط اللازم توفرها فيه وفي الأجل هل هو من شرطه أم لا؟. ولكنهم اختلفوا في بيع المعين الغائب عن مجلس العقد، والذي لم يسبق للمشتري أنه رآه. هل يصح بيعه أم لا يصح؟ وإذا قلنا بالصحة فهل من شرط صحته ثبوت الخيار فيه للمشتري إذا رآه؟ وعلى أي حال يكون ثبوت هذا الخيار؟ ويلاحظ هنا بنوع أخص أن حب الخلاف كثيرة الخلط ولذا وجهنا جل اهتمامنا إلى كتب المذاهب المعتمدة نستقي منها الحكم والدليل إن عثرنا عليه. فمذهب الحنفية -هو صحة بيعه سواء وصف للمشتري أم لم يوصف لكن بشرط أن يعلم المشتري جنسه على أقل تقدير ثم للمشري الخيار إذا رآه مطلقاً أعني سواء كان مطابقاً للوصف -فيما إذا وصف- أو لم يطابق. ومذهب المالكية -أن الغائب المذكور إن لم يوصف للمشتري فلا يصح بيعه إلا مع شرط خيار الرؤية، وإن وصف صح بيعه بالشرط المذكور من باب أولى وبدونه أيضاً ولكن بشرطين ألا يضمن بعده وأن تشق رؤية. فإن جاء كما وصف فالمشتري مجبر على قبوله وإلا فهو بالخيار لتخلف الوصف. ومذهب الحنابلة -أنه إن وصف بصفة السلم صح بيعه ولزم المشتري قبوله إن جاء على الوصف، وإن جاء على غير ما وصف فهو بالخيار لتخلف الوصف. وإن لم يوصف بوصف السلم فبيعه باطل. ومذهب الشافعية في القديم قريب من هذا المذهب. ومذهب الظاهرية- أنه إن وصف صح البيع ولزم المشتري ما دام مطابقاً للوصف وإلا فالبيع باطل مفسوخ. ومذهب الشافعية -هو عدم صحة بيعه على كل حال سواء وصف للمشتري أو لم يوصف. فمذهبهم مقابل لمذهب الجمهور في الجملة، ولمذهب الحنفية على خط مستقيم:
أما الحنفية: فاستدلوا لمذهبهم بالأثر والمعقول. أما الأثر:
فأولاً: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنِ اشْتَرَى شَيْئاً لَمْ يَرَه فَهُو بِالْخِيَارِ إِذَا رَآه" روي هذا الحديث مسنداً ومرسلاً. فقوله -عليه الصلاة والسلام-: "مَنِ اشْتَرَى شَيْئاً لَمْ يَرَه" صادق بما إذا وصف وبما لم يوصف، وبما شرط فيه خيار الرؤية وما لم يشرط فيه. وقوله: "فَهُوَ بِالخِيَارِ إِذَا رَآه" فيه أن الخيار معلق بالرؤية فحسب، فيكون له خيار الرؤية فيما اشتراه بالعموم السابق. وفي هذا ما يدل على أن خيار الرؤية من لوازم العقد على الغائب المذكور.
ثانياً: قالوا المبيع المذكور مال مقدور التسليم، ولا ضرر في بيعه فكان جائزاً كسائر البيوع =

<<  <  ج: ص:  >  >>