= عند المالكية أعني ليخف غرره باشتراط الخيار له فيما يجهله بخلاف البائع فالمفروض فيه دائماً هو علمه بما يبيع فليست هناك حاجة ملحة لشرطه له. وعند الحنابلة الوصف مقصود منه مصلحة المشتري فكان له الخيار وحده إذا تخلف لوقوع الضرر عليه نعم يتجه أن يقال إذا ظهر المبيع موصوفاً بصفات أعلى مما وصف بها يكون للبائع الخيار كذلك قياساً على المشتري في الأولى. ولكنهم لم يعطوه هذا الحق قياساً على ما لو باع سليماً يظنه معيباً حيث لا يكون له الخيار إذا ما تبين جلية الأمر. ثم إن قصة عثمان وطلحة -سواء أكانا قد تواصفا المبيع أو لم يتواصفاه- دالة على أن الخيار للمشتري وحده لقول الراوي لما تحاكما إلى جبير: "فقضى على عثمان أن البيع جائز، وأن النظر لطلحة لأنه ابتاع مغيباً". نعم قال الحنابلة لو قلنا بصحة بيع الغائب غير الموصوف فباع ما لم يره كان له الخيار كالمشتري قائسين له على خيار الشرط، وخيار العيب ثبت كل منهما للمشتري والبائع فكذلك هذا الخيار. ولا وجه لهذا القياس، لأن المعنى الذي لأجله كان الخيار للمشتري في خياري العيب والشرط موجود لدى البائع. ولا كذلك هنا. فضلاً عن أن البائع لو فسخ فلاحتمال الزيادة وهي غير موجبة للفتح في جانبه كما لو باع سليماً على ظن أنه معيب. "خيار الرؤية يجعل البيع قبل الرؤية غير لازم" وذلك لعدم تمام الرضا بالبيع من المشتري وهو يلزم عدم لزوم البيع كخيار الشرط. ويكون غير لازم من جهة المشتري وفي قول عند المالكية من جهتهما معاً. ولكنه ضعيف. فللمشتري أن يفسخ البيع إن أراد بمقتضى عدم اللزوم لا بمقتضى خيار الرؤية فإنه معلق بالرؤية ولم توجد بعد. ويستمر له هذا الحق ما دامت لم توجد الرؤية حتى ولو أجاز البيع؛ لأن هذه الأجازة غير معتبرة شرعاً لأن الرضى لا يتحقق قبل الرؤية. وقد أورد الكمال في فتح القدير إشكالاً على ثبوت حق الفسخ للمشتري قبل الرؤية حاصلة. أن إثبات قدرة الفسخ والإجازة -التي هي عبارة عن الخيار- معلق بالرؤية ولما كان البيع في الأصل يقتضي اللزوم فقبل الرؤية يلزم مقتضاه، وهو اللزوم حتى توجد الرؤية وعندها تثبت قدرة الفسخ والإجازة معاً. وهذا كلام مقبول لدى العقل وبالنسبة لقواعد المذهب غير مقبول. لأن هذا الخيار يمنع تمام الحكم عند الحنفية فلو لزم البيع قبل الرؤية لاستلزم تمام الحكم لأنه لا معنى للزوم شيء لم يتم حكمه بعد. هذا وأما حكم البيع قبل الرؤيةَ عند الحنابلة. في الغائب الموصوف فهو اللزوم، فليس للمشتري أن يفسخ قبل الرؤية بل ولا بعدها ما دام المبيع قد جاء على الوصف لتمام البيع قبل الرؤية وبعدها بالرضا الناشئ عن العلم بالبيع بواسطة وصفه. وإنما ثبت له الخيار إذا رآه متخلفاً وصفه بالقياس على ما لو ظهر المبيع معيباً بعيب عند البائع. "متى ينتهي خيار الرؤية؟ " إن للمشتري حقّ فسخ البيع قبل الرؤية بموجب عدم لزومه وهذا الحق يستمر إلى حين رؤية المبيع. ثم لو رآه فرضي به فور الرؤية أو تصرف فيه تصرفاً دالاً على الرضا به فقد لزمه المبيع وانقطع الخيار الذي ثبت له بموجب الرؤية. وهذا لا خلاف فيه. ولكنه إن رأى المبيع فسكت ولم يتصرف فيه فما حكم خيار الرؤية؟ أينقطع الخيار ويلزمه المبيع؟ أم لا ينقطع ولا يلزمه المبيع حتى يرض به صراحة بالقول أو دلالة بالفعل؟ هنا تختلف المذاهب. فالشافعية بناء على المذهب القديم القائل بصحة بيع الغائب مع ثبوت خيار الرؤية. والحنابلة بناء على رواية عندهم بهذا المعنى أيضاً. عند كل منهما قولان: =