للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= حاصله إذا قلنا بصحة بيع الغائب فبيع بشرطه فهل العقد قبل الرؤية تام أو غير تام؟ قال بعضهم ليس بتام لأن تمامه بالرضا، وهو معدوم قبل الرؤية وعلى هذا يثبت لكل منهما حق فسخ البيع، وقال بعضهم هو تام فليس لواحد منهما حق فسخه، ولكن يثبت لهما خيار المجلس ما داما مجتمعين ثم قال فالخلاف في خيار الرؤية مبني على هذا فمن ذهب إلى أنه ليس بتام أثبت للمشتري خياراً كخيار المجلس عند الرؤية ومن قال هو تام جعل الخيار فور الرؤية؛ لأن خيار المجلس ثبت لهما قبل الرؤية.
أما المذهب الثاني: وهو عدم توقيت خيار الرؤية وهو مذهب الحنفية فقد استدلوا له بالحديث والمعقول. أما الحديث فحديث خيار الرؤية نفسه -من اشترى شيئاً لم يكره فهو بالخيار إذا رآه، لأنه قد جعل المشتري بالخيار بعد مطلق الرؤية لم يقيدها بفورية أو غيرها فلا جرم قلنا بثبوت هذا الخيار له بعد الرؤية ودوامه إلى أن يرضى بالبيع فينقطع. فدعوى الفورية أو غيرها زيادة على النص. وأما المعقول -فهو أن خيار الرؤية ثبت حكماً لانعدام الرضا فيبقى إلى أن يوجد ما يبطل عدم الرضا، وليست الرؤية وحدها بكافية في إبطاله، إنما يكون ذلك بصريح الرضا أو دلالته. ويرد على قولهم إن الحديث مطلق فتقييده بفورية أو غيرها زيادة على النص. إنهم أول من ناقض نفسه في هذا حيث أسقطوا خيار المشتري إذا تصرف قبل الرؤية في المبيع تصرفاً لا يمكن رفعه أو يوجب حقاً للغير مع أن الحديث عام في ثبوت الخيار بعد الرؤية للمشتري سواء وجد منه مثل هذا التصرف أم لم يوجد. ولكنهم قالوا نخصه بما إذا لم يوجب موجب شرعي سقوط الخيار كالتصرف المذكور. وحاصله تقدير مخصص بالعقل. فنقول ونحن كذلك نقيد إطلاق الحديث بالعقل من وجهين:
الوجه الأول: أن الخيارات شرعت رخصة على خلاف القياس بدائع الحاجة. وما كان كذلك يتقدر بمقدار ما يدفع تلك الحاجة ورؤية المقصود من المبيع كافية في دفع تلك الحاجة، فالزيادة عليها زيادة من غير موجب.
الوجه الثاني: الأصل في عقد البيع هو اللزوم ووقت الخيار مستثنى من أوقات لزومه، والأصل عدم التوسع في الاستثناء من غير مقتض يقتضيه. والقول بثبوت الخيار للمشتري إلى ما شاء الله حتى يحصل منه الرضا بالبيع هو في حقيقة الأمر هدم لهذا الأصل فضلاً عن كونه يضر بالبائع ضرراً بليغاً والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: "لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ". ويرد على معقولهم بأن خيار الرؤية -وإن ثبت حكماً لانعدام الرضا كما يقولون- فالمقصود منه دفع مضرة المشتري، وثبوت الخيار له إلى أن يرضى فيه مضرة بالبائع كذلك، والضرر لا يزال بالضرر. والواقع أن القول بانقطاع الخيار فور الرؤية فيه إجحاف كبير بالمشتري وبامتداده إلى أن يرضى بالبيع فيه ضرر بالغ بالبائع. ونرى أن تقديره بمجلس الرؤية ميزان عادل.
أما وقد ثبث: أن خيار الرؤية غير مؤقت عند الحنفية وأنه يمتد من الرؤية إلى أن يوجد ما يبطله من المشتري فيتم البيع في حقه، فما هو هذا الذي يبطل الخيار؟ يبطله:
أولاً: الرضا الصريح، وذلك بالقول كرضيت البيع، وأجزته وأسقطت حقي من الخيار. وهكذا.
وثانياً: الرضا دلالة -كالتصرف فيه بتصرف دال على الرضا بالبيع وإمضائه في العرف والعادة. ثم هذا التصرف إن كان لا يمكن رفعه كالأعتاق والتدبير، أو كان يمكن رفعه ولكن يوجب حقاً للغير كالبيع المطلق أو بشرط الخيار للمشتري وحده، لأن عقدة البيع أصبحت بيده وحده =

<<  <  ج: ص:  >  >>