للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما، وبه قال مالك: أنها بيع؛ لأنها نقل ملك بعوض بإيجاب وقبول، فأشبهت التَّولية.

وأصحهما: أنها فسخ، إذ لو كانت بيعاً لصحت مع غير البائع، وبغير الثمن.

وذهب بعضهم إلى أن القولين في لفظ الإِقَالة.

فأمَّا إذا قالا: تفاسخنا، فهو فسخ لا محالة.


= وأما الإقالة فلا تكون إلا حيث يكون العقد لازماً لهما. نعم تشبه الإقالة الخيار من جهة أنهما لا يدخلان إلا عقود المعاوضات المالية اللازمة القابلة للفسخ. ثم الإقالة جائزة شرعاً؛ لأن العقد حقهما وآثارة المترتبة عليه وقف عليهما فلهما رفعه. بل هي مندوبة لأنها غالبا لا تكون إلا تحت ضغط الحاجة والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول "مَنْ أَقَالَ نَادِماً بَيْعَتَه أَقَالَ اللهُ عَثْرَتَهُ".
وقد اختلف في الإقالة هل هي فسخ أو بيع؟
فالشافعي وابن حنبل وأبو حنيفة على أنها فسخ، ومالك على أنها بيع؛ إلا في الطعام والشفعة والمرابحة، وأبو يوسف على أنها بيع فإن لم تحتمل البيع فهي فسخ فإن لم تحتمله فهي باطلة. ومحمد على أنها فسخ فإن لم تحتمل الفسخ فهي بيع فإن لم تحتمله فهي باطلة. وجهة من قال إنها فسخ هي أن الفسخ معناها اللغوي والأصل مطابقة المعنى الشرعي للمعنى اللغوي حتى يقوم الدليل على خلافه. فإن لم تحتمل الفسخ كانت باطلة، ولا تحمل على البيع لأن البيع ضد الفسخ، واللفظ لا يحتمل ابتداء ضده حتى يحمل عليه عند تعذر معناه الحقيقي. وقال محمد: بل تحمل على البيع إذا تعذر الفسخ؛ لكونها تحتمل البيع في الجملة، إذ هي بيع في حق ثالث حيث يجوز له المطالبة بالشفعة فيها كما هو مذهب الحنفية. ولكن أبا حنيفة يجيب بأنا جعلناها بيعا في حق ثالث للضرورة، وهي ثبوت حكم البيع بها من نقل الملك ببدل فلئن صرفت عن معنى البيع في حقهما فلا تصْرف عنه في حق غيرهما إذا اقتضاه أمر آخر. وأيضاً اعتبرت بيعاً في حق ثالث لئلا يفوت مقصود الشارع من شرع الشفعة في بعض الصور إذ هي قد شرعت لدفع ضرر الخلطة أو الجوار وهو موجود في الإقالة. ووجهة من قال إنها بيع هي أنه رأى حد البيع منطبقاً عليها؛ لأنها مبادلة المال بالمال على التراضي وهو حد البيع ولأنها تبطل بهلاك السلعة قبل القبض ويرد المبيع فيها بالعيب وهذه هي أحكام البيع، وعلى هذا فهي بيع حقيقة لانطباق حده وحكمه عليها. ويزيد أبو يوسف على هذا: إنها وضعت في الأصل للفسخ ثم حملت على البيع لما ذكر، فإن لم تحتمله كانت مستعملة فيما وضعت له وهو الفسخ. ويرد على من قال إنها بيع بأن حد البيع ليس مبادلة المال بالمال تراضياً فحسب بل مع زيادة ابتداء، والموجود في الإقالة المبادلة على سبيل العود. وبأنه لا يلزم من ثبوت لازم شيء لشيء أن يكون إياه لجواز أن يكون لازم حقيقتين مختلفتين أي أنه لازم عام. وفائدة الخلاف في كونها بيعاً أو فسخاً تظهر في الإقالة من المبيع قبل قبضه فمن قال: هي بيع لا يصححها؛ لأن بيع المبيع قبل قبضه لا يجوز، ومن قال هي فسخ جعلها صحيحة لأن برفع العقد يعود المبيع إلى ملك صاحبه. ومع ذلك فلا بد في الإقالة من أن تكون بالثمن فلا يزاد عليه أو ينقص منه لأن حقيقتها هي المبادلة بالثمن الذي اتفق عليه أولاً؟ قاله شيخنا الشيخ مندور.

<<  <  ج: ص:  >  >>