البائع وفي قَدْره القولان المذكوران في الأجنبي، وصاحب الكتاب جعل القول الصَّائر إلى أنّ جناية البائع كجناية الأجنبي أصح، لكن معظم الأصحاب على ترجيح القَوْل المقابل له.
وقوله: "إلاَّ أن يكون التَّعَيُّب بجناية أجنبي" استثناء منقطع، فإنه لا يدخل فيما قبله حتى يحمل على حقيقة الاسْتِثْنَاء.
قال الغزالي: وَتَلَفُ أَحَدِ العَبْدَيْنِ بُوجِبُ الانْفِسَاخِ فِي ذَلِكَ القَدْرِ (و) وَسُقُوطُ قِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَالسَّقْفُ مِنَ الدَّارِ كَأَحَدِ العَبْدَيْنِ، لاَ كَالوَصْفِ عَلَى الأَظْهَرِ.
قال الرافعي: إذا اشترى عبدين وتلف أحدهما قبل القبض انفسخ البيع فيه، وفي الثاني قَوْلاً تَفْرِيق الصَّفقة فإن قلنا: لا يفسخ وأجاز، فبكم يجيزه؟
قد ذكرناه في باب التَّفْرِيق، وفيه ما يقتضي إعلام قوله: "قسطه من الثمن" بالواو وقد أورد المسألة في الكتاب، وإنّما أعادها ليبيّن أنَّ المسألة الثانية دائرة بين هذه المسألة وبين صور العيب، فلذلك تردد الأصحاب فيها.
وصورتها: أنْ يحترق سقف الدار المبيعة قبل القبض، أو يتلف بعض أَبْنِيَتِهَا، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه كتعيُّب المبيع، مثل عمى العبد وسقوط يده وما أشبههما.
وأظهرهما: أنه كتلف أحد العبدين حتى ينفسخ البيع، وفي الباقي الخلاف؛ لأن السّقف يمكن إفراده بالبيع بتقدير الانفصال بخلاف يد العبد.
قوله: "لا كالوصف"، فيه إشارة إلى أنَّ النُّقْصان ينقسم إلى فوات صفة وهو العيب، وإلى فوات جزء، وذلك ينقسم إِلَى ما لا ينفرد بِالقِيْمَة والمالية كيد العَبْد، وهي في معنى الاتباع والأوصاف، وإلى ما يفرد كأحد العبدين وأحد الصَّاعين، وذكر بعض المتأخرين: أنه إذا احترق من الدار ما يفوت الغرض المطلوب منها، ولم يبق الأطراف ينفسخ البيع في الكُل، ويجعل فوات البعض في مثل ذلك كَفَوات الكل.
قال الغزالي: وَقدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَلاَ يُقَاسُ عَلَى البَيْعِ العِتْقُ (و) وَالهِبَةُ (و) وَالرَّهْنُ، وَكَذَلِكَ لاَ يُقَاسُ عَلَيْهِ الإجَارَةُ، وَالتَّزْوِيجُ عَلَى الأَصَحِّ.
قال الرافعي: الحكم الثَّانِي للقبض التَّسلط على التَّصرف، فلا يجوز بيع المَبِيع قبل القبض عقاراً كان أَوْ منقولاً، لا بإذن البائع ولا دونه، لا قبل أداء الثَّمَن، ولا بعده خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله- حيث قال: يجوز بيع العَقَار قبل القبض، ولمالك -رحمه الله- حيث جَوَّزَ بيع غير الطَّعَام قبل القبض، وكذا بيع الطعام إذا اشتراه جزافاً،