للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه ويفارق المسلم فيه فإنه غير مستقر لجواز أنْ يطرأ ما يقتضي انفساخ السلم، وهذا مستقر. ثم الكلام في اعتبار التَّعيين والقبض على ما سبق.

وفي "الشَّامل" أن القرض إنما يستبدل عنه إذا استهلكه، أما إذا بقي في يده فلا، لأنا إنْ قلنا: إن القرض يملك بالقبض فبدله غير مستقر في الذمة؛ لأن للمقرض أن يرجع في عينه، وإن قلنا: يملك بالتصرف، فالمستقرض متسلّط عليه وذلك يوجب ضعف ملك المقرض، فلا يجوز الاعتياض عنه -والله أعلم-.

ولا يجوز استبدال المؤجل عن الحال ويجوز العَكْس، وكأن من عليه المؤجل قد عجله. واعلم: أنَّ الاستبدال بيع ممن عليه الدّين وقد تبين حكمه، فأما بيعه من غير ممن عليه كما إذا كان على إنسان مائة، فاشترى من آخر عبدًا بتلك المائة فقولان:

أحدهما: أنه يجوز، كبيعه ممن عليه.

وأصحهما: المنع لعدم القدرة على التسليم، وعلى الأول يشترط أنْ يقبض مشتري الدَّين الدين ممن عليه، وأن يقبض بائع الدين العوض في المجلس، حتى لو تفرقا قبل قبض أحدهما بطل العقد (١).

ولو كان له دين على إنسان، ولآخر مثله على ذلك الإنسان، فباع أحدهما ما له عليه بما لصاحبه وقبل الآخر لم يصح، إن اتّفق الجنس أو اختلف. "لِنَهْيِهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بالْكَالِئِ" (٢). وقوله في الكتاب: "وكل دين ثبت لا بطريق المعاوضة، بل بقرض أو بإتلاف" لا شبهة أن دين الإتلاف ثبت لا بطريق المعاوضة.

وأما دين القرض فسيأتي في فصل القرض: -إن شاء الله تعالى- أنه ليس على سبيل المعاوضات أيضاً. وقوله: "ولكن يشترط قبض البدل في المجلس على الأصح" أي: من الوجهين، وترجيح وجه الاشتراط خلاف ما ذكرنا عن اختيار الإمام وصاحب "التهذيب"، لكنه متأيد بظاهر نصه في "المختصر"، وبه قال جماعة من الأصحاب.

وقوله: "ويجوز أن يستبدل عن النقد بالنقد وإن كان ثمناً"، أي: استبدال أحد النقدين عن الآخر لا يختص بدين القرض والإتلاف، بل يجري في الثمن أيضاً، وليعلّم قوله: "وإن كان ثمناً" بالواو للقول الآخر، وأراد بالحديث ما رويناه عن ابن عمر -رضي الله عنهما-.

قال الغزالي: أَمَّا صُورَةُ القَبْضِ فَيُحْكَمُ فِيهِ بِالعَادَةِ، فَفِي العَقَارِ يَكْفِي فِيهِ التَّخْلِيَةُ،


(١) قال النووي الأظهر الصحة.
(٢) أخرجه الدارقطني ٣/ ٧١، ٧٢ والحاكم ٢/ ٥٧ والبيهقي ٥/ ٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>