ولو تلف المقبوض، فزعم الدافع أنه كان قدر حقه أو أكثر؛ وزعم المدفوع إليه أنه كان دون حقه أو قدره، فالقول: قوله.
قال الشيخ أبو حامد وغيره: ومعنى التصديق المذكور في صورة المسألة أنْ يحمل خبره على الصدق، ويأخذه بناء عليه، فأما إذا أقر بجريان الكيل لم يسمع منه خلافه، وفسر إمام الحرمينْ البيع مُكَايلة، بأن يقول: بِعْتك هذه الصُّبْرَة كل صاع بدرهم، وهو من صورها.
ومنها: أن يقول: بعتكها على أنها عشرة آصع.
ومنها: أن يقول: بعتك عشرة آصع منها، وهما يعلمان صيعانها أو لا يعلمان إذا جوزنا ذلك.
وإذا اعتبر في المبيع كيل أو وزن، فليس على البائع الرِّضا بكيل المشتري، وعلى المشتري الرِّضَا بكيل البائع، بل يتفقان على كيال، فإن لم يتراضيا نصب الحاكم أميناً يتولاه ذكره في "الحاوي".
ولو كان لزيد طعام على رجل سلماً، ولآخر مثله على زيد، فأراد زيد أن يوفي ما عليه مما له على الآخر، فقال: اذهب إلى فلان، واقبض لنفسك مما لي عليه، فقبضه فهو فاسد، وكذا لو قال: احضر معي لأقبضه وأكتاله لك وفعل، لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً ومسنداً أنه:"نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ، يَعْنِي صَاعَ البَائِعِ وَصَاعَ الْمُشْتَرِي"(١).
وعلى هذا الخبر بناء مسائل الباب.
وإذا فسد القبض فالمقبوض مضمون على الآخذ، وهل تبرأ ذمة الدافع عن حق زيد؟ فيه وجهان:
أصحهما: نعم، وهما مبنيان على القولين، فيما إذا باع نجوم الكتابة وقبضها المشتري، هل يعتق المكاتب؟
فإن قلنا: لا يبرأ، فعلى القابض رد المقبوض إلى الدافع.
ولو قال زيد: اذهب إليه واقبضه لي، ثم اقبضه منى لنفسك بذلك الكيل، أو قال: احضر معي لأقبضه لنفسي، ثم تأخذه أنت بذلك الكيل ففعل، فقبضه لزيد في المسألة الأولى، وقبض زيد لنفسه في الصورة الثانية صحيح، وتبرأ ذمة الدافع عن حقه، والقبض الآخر فاسد، والمقبوض مضمون عليه، وفي قبضه لنفسه في الصورة